ثلاثة شروط لشراكة ناجحة: استقرار في العراق وتسوية مع ايران وحل في فلسطين ...دور للحلف الأطلسي في أمن الخليج ...ثوب أوروبي فضفاض لا يغني عن الأميركي

الدوحة - سمير السعداوي     الحياة     - 06/12/05//

كان يحلو للزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل ترديد مقولة للفيلسوف الانكليزي جون لوك ان «الشرطي الذي يتجاوز صلاحياته يتحول الى قاطع طريق»...هذا تحديداً ما يريد حلف شمال الاطلسي (ناتو) تفاديه من خلال سعيه الى حوار مع دول الخليج، بحثاً عن دور امني في المنطقة، بعد انتهاء مهمته «حارساً لبوابة الغرب» في مواجهة الستار الحديد، طيلة النصف الثاني من القرن الماضي.

على بعد اميال قليلة من ميناء بندر عباس الايراني، وفي منطقة تنام على كوابيس «الفوضى» في العراق، وتصحو على هواجس العنف في فلسطين، اجتمع عدد من ابرز مسؤولي الحلف مع شخصيات سياسية وعسكرية من دول خليجية، في محاولة لوضع تصور لشراكة مستقبلية بين «الناتو» والعواصم الاقليمية.

الأمين العام للأطلسي ووزير الخارجية القطري في افتتاح المؤتمر

الأمين العام للأطلسي ووزير الخارجية القطري في افتتاح المؤتمر

كان لافتاً، الحضور «الاول من نوعه» للامين العام للحلف ياب دو هوب شيفر الى جانب وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عن «دور الناتو في أمن الخليج» الذي عقد في الدوحة الاسبوع الماضي. وكأنه اراد ان يضفي زخماً على سلسلة المؤتمرات التي تعقد في اطار «مبادرة اسطنبول» (اطلقت في حزيران / يونيو 2004)، على امل تفعيل الحوار وصولاً الى الشراكة.

تسمية الاشياء بأسمائها

ثمة مثل صيني يقول: «بداية الحكمة تسمية الاشياء بأسمائها الصحيحة»...لذا، ما اهداف «التعاون» الاطلسي - الخليجي، وفي اي اطر يتم؟ وما هي الشروط المطلوبة لانجاحه؟ ويبقى السؤال الاهم: هل يغني مثل هذا التعاون عن الحاجة الى الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة، كـ «شرطي العالم» بعد انتهاء الحرب الباردة؟

في «مبادرة اسطنبول» عرض الاطلسيون «شراكة» على سبع دول «متوسطية» دخلت في حوار مع الحلف. كما عرضوا حواراً مع دول الخليج، للوصول الى شراكة «فضفاضة» تلبي رغبة تلك الدول، كل بحسب احتياجاتها. وتراوح «الخدمات» المعروضة بين التعاون لمكافحة الارهاب ومواجهة التسلح النووي الى الإفادة من خبرات الحلف في مواجهة الكوارث الطبيعية والبيئية ومكافحة تهريب الاسلحة الخفيفة والمخدرات، بما يشمل تقديم برامج تدريب وتأهيل للكفاءات المحلية وتخطيط مشترك.

«نجح» المشاركون في مؤتمر «الناتو وأمن الخليج» في تفادي الغوص في مستنقع العراق، ولم يتم التطرق الى الموضوع سوى عرضاً، بخلاف مؤتمر سبقه بيوم واحد في الدوحة ايضاً، جمع برلمانيين من دول الاطلسي و«نظراء» لهم من الخليج، عرضوا مخاوفهم من سيناريوات «الفوضى» و «التقسيم» المحتملة في العراق. يأتي ذلك في وقت يثير التدخل الاميركي في العراق جدلاً حامياً في الكونغرس، ما اضطر الرئيس جورج بوش الى التعهد بخفض عديد القوات الاميركية هناك، ملقياً المسؤولية على كاهل «الاطلسي» لتأهيل قوات محلية تتولى اعادة الاستقرار تدريجاً الى بلادها.

من الواضح ان القرار الاميركي يفسح في المجال امام تعاط اوروبي اكبر، من خلال الاطلسي، مع الازمات المفتوحة في المنطقة، مثال على ذلك الدور الذي تلعبه الترويكا الاوروبية في المفاوضات النووية مع ايران. ربما لهذا السبب لم يظهر «عداء واضح» لايران في مداخلات المسؤولين الاطلسيين في مؤتمر الدوحة، بل كان هناك تساؤل من جانب احد ممثلي مؤسسة «راند» (المشاركة في تنظيم المؤتمر) عن احتمالات اشراك طهران في حوار مع الاطلسي ...في اطار «الشمولية» المرجوة لمثل هذا التعاون في المنطقة كافة، خصوصاً ان «الاطلسي» يضطلع اعتباراً من العام المقبل، بدور اساس في استعادة الاستقرار الامني في افغانستان المجاورة.

حروب الامس ...والمستقبل

استند مسؤولو الحلف لتسويق مبادرتهم في الخليج الى نجاحاته في اطفاء نيران الحروب في البلقان (البوسنة وكوسوفو)، الامر الذي حرص دو هوب شيفر على الاشارة اليه في كلمته، مفسحاً في المجال امام الطامحين في شراكة مع الاطلسي في المنطقة (تحديداً البحرين وقطر والكويت والامارات)، لتطمين الرأي العام في دولهم الى ان «الناتو» ليس تجمعاً مناهضاً لديانتهم ولا لثقافتهم. لكن هذا النوع من تفهم الآخر، يحتاج الى توضيحات من الشركاء العتيدين الذين يتعين عليهم شرح ما يريدونه من المنظومة الامنية الاطلسية التي تحرص على الاستماع الى حاجاتهم وتطلعاتهم قبل عرض الصيغة النهائية للشراكة المقترحة.

ولا شك في ان الحديث عن شراكة اطلسية - خليجية، لا يمر في المنطقة من دون شكوك كبيرة، مغلفة بنظريات عن «الهيمنة» والسعي الى الاستئثار بالثروات النفطية والغازية. والواقع ان احتكار مصادر النفط امر مستحيل، فهو بخلاف المياه، سلعة معروضة في الاسواق، في حين ان النزاع على المياه هو المصدر الرئيس للتهديدات مستقبلاً، كما يجمع الخبراء العسكريون. وليس سعي «الناتو» الى دور امني في دول منتجة للنفط (في آسيا الوسطى مثلاً)، سوى محاولة لارساء الاستقرار وتأمين امدادات حرة الى السوق الدولية لتفادي الاضطرابات.

جانب من الحضور في المؤتمر

جانب من الحضور في المؤتمر

يمكن لـ «الناتو» ان يطمح بجزء لا بأس به من عائدات النفط والغاز، ثمناً للخدمات التي يعرض تقديمها، لكن الطلب على الطاقة سيكون حاجة ملحة للمارد الآسيوي وخصوصاً الصين (التي يتوقع ان يصل استهلاكها للنفط في عام 2015 الى 10 ملايين برميل يومياً). لذا يشير ممثل معهد نيكسون للدراسات الاستراتيجية خلال مداخلته في المؤتمر الى ان الرأي العام الاميركي بدأ يتساءل: «لماذا يتعين على الولايات المتحدة حماية مصادر النفط، في حين ان اكبر مستهلكيه هم في آسيا عموماً والصين خصوصاً؟».

السياسة اولاً

من المعروف انه لا يمكن المحافظة على السلام بالقوة، بل يتحقق ذلك بالتفاهم، وكل فعل حرّ ينتج من عاملين: الارادة والقدرة. من هنا، رهان الاميركيين بعد فشلهم في فرض استقرار عسكري في العراق، على دور سياسي للاوروبيين من خلال الاطلسي. لا بل اصبح امراً واقعاً ان القوات الاميركية لم تعد قادرة ولا مستعدة للبقاء في المستنقع العراقي. كما ان الاميركيين غير مستعدين للجلوس بين نارين في وقت يحمل «التسلح الايراني» نذر مواجهة باسلحة غير تقليدية بين طهران وتل ابيب، ما يعرض مياه المنطقة لكوارث بيئية، وحدها قوات محلية مؤهلة اطلسياً تملك الاستعداد لازالة آثارها، كونها معنية اكثر بترتيب بيتها الداخلي.

يقدم «الناتو» نفسه، ليس كمنظومة امنية فحسب، بل ايضاً كمنتدى سياسي يمكن من خلاله تبادل الافكار والآراء لحل مشكلة الشرق الاوسط، ادراكاً منه لخلفيات الصراع العربي -الاسرائيلي وابعاده، وتفهماً لهواجس الشركاء المحتملين سواء في الخليج او في حوض البحر الابيض المتوسط. وكانت كل الحوارات مع الاطلسي منذ ابدى اهتمامه بالتعاون مع دول الشرق الاوسط، تركز على ضرورة التوصل الى حل للقضية الفلسطينية، باعتبار ذلك احد الشروط الرئيسة لإنجاح اي شراكة مع الحلف. ومعلوم ان اسرائيل طرف في الشراكة الاطلسية - المتوسطية، الى جانب مصر والاردن والجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا.

الثوب الفضفاض والعباءة الاميركية

بزوال نظام صدام حسين، لم يبق عائق رئيس في وجه الاطلسي في المنطقة. لكن ثمة شروطاً صعبة يتعين تحقيقها لإنجاح التعاون. اهمها، عودة الهدوء والاستقرار الى العراق، وتسوية الازمة مع ايران، امران يلعب فيهما الحلف دوراً مهماً، اولاً في اعادة بناء قوات مسلحة عراقية قادرة على استعادة الامن الذاتي، مع الاخذ في الاعتبار ضرورة ان يضطلع الشركاء الاوروبيون في الحلف بدور اوسع، لئلا ينظر اليه على انه عباءة اميركية فحسب. كما انه يتعين اقناع مجلس التعاون الخليجي مجتمعاً، بأن التعاون مع «الناتو» لا يشكل مخرجاً للاميركيين للتنصل من التزاماتهم في المنطقة.

في مقابل عرضه التزاماً طويل الامد وعلى المدى المنظور، يتوقع الحلف الاطلسي من دول المنطقة اعتماد البراغماتية في حوارها معه، اي «لا احكام مسبقة ولا عقائديات» بحسب تعبير احد المشاركين، وذلك لتحقيق تعاون مثمر في مكافحة الارهاب واسلحة الدمار الشامل.

وفي وقت بات واضحاً لكثير من المراقبين ان الارهاب لا يستطيع كسب المعركة مع الدول الخليجية، فان مخاوف الغربيين والآسيويين ايضاً، ان تنتقل ساحة المعركة الى دولهم، لذا يحاولون احتواء الخطر في «منابعه»، مدركين ان ذلك لا يمر الا عبر تحسين الظروف الاجتماعية والسياسية محلياً.

اخيراً، اقتراح لمعضلة العراق جدير بالاهتمام، وهو العمل على ايجاد منطقة نموذجية (كالبصرة مثلاً) عبر تنميتها وتحقيق الامن والاستقرار فيها، لتتحول مثالاً لمجتمع هادئ ومزدهر ...أمر لا شك يتطلب تعاوناً جماعياً.

المتحدثون الرئيسيون في المؤتمر

- الامين العام لحلف شمال الاطلسي (ناتو) ياب دو هوب شيفر.

- وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

- القائد السابق لقوات «الناتو» في البلقان الجنرال ويسلي كلارك.

- سامي فرج مدير مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية.

- جيفري كامب مدير برامج الدراسات الاستراتيجية الاقليمية. - معهد نيكسون.

- السفير عثمان سانبيرك (تركيا).

- جان فورنيه مساعد الامين العام لـ «الناتو» للسياسة العامة.

- الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن بن حمد العطية.

- الممثل الدائم لـ «الناتو» سابقاً روبرت هانتر (مؤسسة راند).

- مساعد وزير الخارجية القطري لشؤون المتابعة محمد عبدالله الرميحي.