كلمة

حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني

أمير دولة قطر

في

مؤتمر حوار الأديان

الدوحة 29-30 يونيه 2005
 

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب السعادة

الحضور الكرام

أرحب بكم في المؤتمر الثالث للحوار بين الأديان ، الذي أصبح مناسبةً سنويةً نتطلع إليها جميعاً لتعميق الحوار والتواصل بين أتباعها، من أجل فهم متبادل يحقق لشعوبنا وأممنا، وللإنسانية أفضل النتائج إذا كان ذلك ممكناً . وإنني آمل أن تفضي مناقشات هذه السنة إلى الخروج من إطار العموميات إلى البحث المعمق في المحاور والقضايا التفصيلية. فالهدف من هذا الحوار باستمرار هو أن تكون معرفة كل طرف للأخر أكثر عمقاً، وأن تقوم العلاقة بينهم على الاحترام المتبادل.

إن التأمل الواقعي والموضوعي يقودنا إلى القناعة بأنه من المجدي أن نتطرق إلى المجالات المتعلقة بالمصالح الدنيوية المشتركة فيما بيننا لأنها لا تخص واحداً منا دون الآخر، كما أن علينا في نفس الوقت متى تناولنا مسائل العقائد والخصوصيات الإيمانية أن نلتزم تعاليم الشرائع السمحاء التي تقضي باحترام معتقدات الآخرين حتى لا ننتهي إلى جدل عقيم لا ينهي خلافاً أو يفض نزاعاً.

وإن علينا واجبات محددة شرعّها الله سبحانه وتعالى لا مناص منها.  فنحن ملزمون بالتعارف بين الأمم ، وبإتباع الحكمة والقول الحسن، والدفع بالتي هي أحسن، وتجنب الفحش في القول وسب المعتقدات، ومطالبون بالبر بمعتنقي الديانات الأخرى وحسن معاملتهم ، والتعاون معهم وعدم بخس ما لديهم من إيجابيات في ميادين الحياة باعتبار أن الله سبحانه وتعالى استخلف بني الإنسان في الأرض لعمارتها وإقامة العدل فيها كمسؤولية مشتركة يستوي فيها أتباع كافة الديانات.

ولا شك في أن كل حوار ذا طبيعة دينية يتسم بحساسية خاصة. فمن المعلوم أن جواً من الحذر قد ساد بين المسلمين وغيرهم لفترة طويلة من الزمن، لا تزال بعض آثاره باقية إلى الآن، كما يظهر على سبيل المثال في بعض المنشورات والمطبوعات لدى هذا الطرف أو ذاك. ولهذا، فإن أحد العقبات الأساسية التي ينبغي علينا تجاوزها من أجل أن يعطي حوارنا ثماره هي تلك العقبة السيكولوجية التي لها علاقة مباشرة بالموروث الثقافي خلال حقب طويلة. وهذه المسألة تستحق أن تنال منا كل اهتمام، لأن أي حوار جدي يجب أن يرى الواقع كما هو قبل أن ينظر فيما يراد له أن يكون. وبعبارة أخرى، علينا أن ننطلق في حوارنا من الواقع كي يمكننا أن نؤثر فيه.

ومن هذا المنطلق، نلاحظ أن بعض البحوث والدراسات المعنية بموضوعنا تغفل ما للظاهرة الإسلامية من بعد ثقافي هام يعبر في بعض أوجهه عن رفض لهيمنة الشمال الغني المتمثل عموماً بالغرب، والتهميش الذي عانت منه الشعوب الإسلامية التي تعتز بمرجعياتها ورموزها الثقافية الأصيلة. ولعل المنطق الاستشراقي الذي قام على إبراز ما بين الشرق والغرب من تناقضات إلى حد بلغ أحياناً مشارف التفكير العنصري والمتعصب ضد كل ما هو ليس غربي ليجسد تلك المواقف التي تحتاج إلى إعادة نظر.

ولذا، فإن علينا أن نسعى من خلال حلقات الحوار هذه لأن نجرى مراجعةً نقدية للتاريخ العربي الإسلامي على أساس أنه تسلسل منطقي وطبيعي لعمليات تحول سياسية واقتصادية واجتماعية تفضي إلى تداعيات متوقعة وطبيعية، وليس تفسير الظاهرة الإسلامية الحديثة على أنها مجرد رد فعل محافظ ورجعي ضد التغيير والتحديث.

إن الانطلاقة الآن يجب أن تستند إلى رغبة جادة في إعادة التواصل مع الموروث الحضاري والثقافي للأخر من أجل تكوين منظومة إنسانية مشتركة تخلو من العدوانية.  فلابد أن تكون هناك قناعة باستقلالية الثقافات واحترام الذات واختلاف المرجعيات، دون الحط من شأن الآخر أو إقصائه من الصورة العامة للإنسانية. ومثل هذه الانطلاقة يمكن أن تقوم على القواسم المشتركة المستقاة من البيئة الحضارية للإسلام والمسيحية واليهودية، التي تداخلت وامتزجت فيما بينها عبر الزمن. ولهذا، فإننا نرى أن الحوار بين الأديان من شأنه أن ينعكس إيجابيا على الحوار بين الحضارات.

الحضور الكرام،

يمكن لما تقدم أن نحدد ثلاث مسارات للعمل من أجل دعم الحوار في المدى القريب والمتوسط .

ويتمثل المسار الأول في تطوير المعرفة المتبادلة بين الإسلام والمسيحية واليهودية ، وهو ما يعطي ترجمة المراجع الأساسية للديانات الثلاثة إلى اللغة العربية واللغات الأجنبية أهمية كبيرة. وفي هذا المجال يمكن اتخاذ بعض الإجراءات ذات الطابع العملي مثل إنشاء مؤسسات فكرية مشتركة تقوم بهذه المهمة.

والمسار الثاني هو التركيز في الحوار على الموضوعات الاجتماعية والثقافية لتحقيق التقارب والتعاون الذي ننشده. وقد يكون من المناسب في هذا الصدد أن نتطرق إلى دور المرأة في المجتمع في محاولة جدية لفهم أخلاقيات المجتمعات الإسلامية التي أحياناً ما تطلق عليها أحكام خاطئة تنبع من مواقف مسبقة أو بسبب عدم المعرفة. كما أنه بمقدورنا أن نبحث في العلاقة بين الدين والحداثة.

    والمسار الثالث والأخير يتجسد في بحث سبل التعاون المشترك من أجل حل الصراعات المزمنة التي ينطوي تسويتها على تحقيق السلام والوئام.

      آمل أن نوفق في هذا الحوار إلى ما فيه الخير والصلاح.

                  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

                 

 

 

All Rights Reserved * Ministry Of Foreign Affairs - Qatar                                   Powered And Designed By DIB