المؤتمرات السابقة 

 

كلمة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني – أمير دولة قطر

ألقاها نيابة عن سموه الشيخ عبد الله بن خليفة آل ثاني

رئيس مجلس الوزراء

في افتتاح الندوة الأولى للحوار الإسلامي المسيحي
التي عقدت في الدوحة في شهر إبريل/نيسان 2003م

 

أصحاب السعادة،

الحضور الكرام،

 

    أرحب بكم في الندوة الثانية للحوار الإسلامي المسيحي التي تنعقد في الدوحة، وأتمنى لكم التوفيق والنجاح في تحقيق الأهداف المرجوة منها. لقد كان انعقاد الندوة الأولى في العام الماضي في وقت صعب للغاية، حين كانت تدور رحى الحرب في العراق. ويأتي انعقاد هذه الندوة ، ليكتسب أهمية مضافة ونحن نواجه تداعيات خطيرة تنذر بأفدح الأخطار للسلم والأمن والاستقرار ، لأنها تمثل لقاء من أجل إعلاء شأن القيم السامية التي جاء بها الإسلام والمسيحية .

    لقد تناولت كلمة العام الماضي بعض المعوقات التي تعترض سبيل التعاون والتفاعل الحضاري بين أتباع الديانتين السماويتين وضرورة البحث في أصول تلك المعوقات بغية العمل على تلافيها. وفي هذه المناسبة أود أن أستذكر معكم بعض الثوابت الأساسية التي يفترض أن ننطلق منها في حوارنا . إن الديانتين الإسلامية والمسيحية تلتقيان في (الإيمان بالله الواحد ) و ( إن دين الله الحق) ، وقد جاء (لخدمة الإنسان ) في حقه في الحياة الأفضل ولإشاعة السلام والمحبة والوئام ولأعمار الأرض، وأن هناك جملة من القيم الروحية والمبادئ الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها الإنسان .

     هذه بعض القواسم المشتركة بين الإسلام والمسحية.

     إن القرآن يؤكد أن دين الله واحد ، وأن جميع الأنبياء كانوا يبشرون به بعد أن جعل الله لكل واحد منهم شريعة ومنهاجا . إن تعددية الشرائع والمناهج الإلهية مبدأ قرآني صريح . فالقرآن الكريم يقول ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات ، لإلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ). كما أن القرآن ينقل عقائد وأحكاما وقصصا تربوية عن الرسالات السماوية السابقة . ويذكرنا في الآية الكريمة (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ).

   وإذا كان تعدد الأديان هو استباق في الخيرات، فإن ذلك ينبغي أن يكون مجالا للتعارف. والقرآن الكريم يقول لنا (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

   من هذا المنطلق يأتي الحوار كهبة وهبها عز وجل للإنسان، وهو أيضا انفتاح على الآخر وبهذا المعنى هو تعبير عن المحبة بين الخالق والمخلوق، وبين البشر فيما بينهم. فالإيمان بالله عز وجل يوحد البشر ، والكتب السماوية كلها تؤكد هذه الحقيقة ، ومن هنا تكون نقاط الالتقاء والتواصل عديدة وعميقة ، ويمكن للحوار بين الأديان أن يبرز هذه النقاط ويعمقها . أما الحروب والمجابهات على خلفية الاعتقاد الديني، والتي كانت سببا في الكثير من الدمار الذي لحق بالإنسانية، فإنها لا يمكن أن تكون تقربا من الله عز وجل، لأنه يدعو إلى المحبة والسلام وليس للكره والضغينة والتقاتل.

   إن الحوار ينبغي أن يقوم على أساس الاحترام المتبادل ، وطالما أن الديانات السماوية من جوهر واحد وتجسد مكونا أساسيا لشخصية الشعوب والأفراد، يمكن إذن للحوار أن يشكل إطارا واسعا يساعد المتحاورين جميعا على فهم تقاليد بعضهم البعض ودراسة ما يلتقون حوله وما يختلفون فيه، من أجل تعميق نقاط الاتفاق وتفهم نقاط الخلاف والقبول بها على قاعدة احترام الآخر.

   إن الحوار بين الأديان مطلوب ، لأنه وسيلة للمعرفة. والمعرفة هي السبيل الأمثل للتواصل ونبذ جميع أشكال التزمت والتعصب ، ومن المهم في تقصي المعرفة القراءات الصحيحة للدين على خلفية الثوابت التي أشرت إليها.

   إن العالم أصبح بمثابة (قرية كونية) كبيرة مما يجعل التواصل بين البشر أمرا محتوما. وإذا كانت الحقب التاريخية قد شهدت مجابهات على خلفية اختلاف العقائد الدينية، فإن الوقت قد حان لكي نتعاون أبناء جميع الأديان معا من أجل مواجهة المصير الإنساني المشترك. إن القرآن الكريم يدعو إلى فتح الحوار مع البشر عامة ، فالقرآن الكريم أمرنا بأن لا ندعو إلى سواء السبيل إلا بالحكمة والموعظة الحسنة وأن لا نجادل أصحاب الديانات السماوية إلا بالتي هي أحسن ، كما جاء في القرآن الكريم (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).

   إن التاريخ يشهد بأن العلاقة بين الإسلام والمسيحية كان لها طابع إيجابي منذ بداية الدعوة الإسلامية ، وقد ساهم في تحسين العلاقة وتطويرها الاحترام الكبير والثقة التي أولاها رسولنا الكريم للمسيحيين ، كما يدل على ذلك دعوته لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة المسيحية، وعقده مع أهل نجران. ولقد ثبت هذا الموقف في العديد من آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن السيد المسيح وأمه العذراء المكرمة ومودة النصارى للمؤمنين ، وأقوال الرسول في عدم إيذاء أهل الذمة ، وشواهد تاريخية كثيرة حول التعامل الإيجابي لخلفاء الرسول مع المسيحيين ، وهو المنهج الذي سار عليه الخلفاء الراشدون.

   لقد كانت العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، رغم ما شابها من مواجهات، تسير عموما في هذا المسار. لكن من واجبنا أن نعمل بصورة مشتركة على إزالة ما شاب هذا المسار من تشويش، من خلال الشرح وتصحيح المعلومات المغلوطة التي تروجها بعض وسائل الإعلام، التي لا تتحرى الدقة والموضوعية.

   ويقيني أن السبب الرئيسي لما يشوب هذه العلاقة أحيانا من الريبة والشك هو السلوك المشين لقلة من الأشخاص المنتمين للديانتين والذي يتنافى مع مبادئهما السامية.

   إننا نأمل بـأن توفق هذه الندوة في تعميق الإدراك بوحدة الإسلام والمسيحية في جوهر الرسالة ، وما تدعو إليه من مبادئ وقيم إنسانية لكي يتعمق التفاهم ويزداد التقارب بين أتباع الديانتين . ولعله من المفيد أن يوسع الحوار في ندوة العام القادم ليكون حوارا إسلاميا مسيحيا يهوديا من خلال مشاركة ممثلين عن الديانة اليهودية التي تلتقي مع الإسلام والمسيحية في الإيمان بالله الواحد. ذلك هو السبيل لبناء الحياة الإنسانية الكريمة التي تسود فيها مبادئ المحبة والتسامح والمساواة، من أجل خير البشرية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


 

 

 

 

All Rights Reserved * Ministry Of Foreign Affairs - Qatar                                   Powered And Designed By DIB