كورتزير: يجب إعطاء حماس الوقت الكافي لتغيير سياستها

الراية القطرية/الإثنين30/1/2006

أجري اللقاء - أيمن عبوشي: علي هامش مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط ، تحدثت الراية مع دانيال سي كورتزير، السفير الأمريكي السابق لدي إسرائيل ومصر، والأكاديمي المتخصص في الشؤون الشرق الأوسطية بجامعة وودرو ويلسون الأمريكية، والذي تحدث معبرا بشكل شخصي عن وجهة النظر الأمريكية لإدارة بوش حيال فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي حصدت أكثر من أربعة وسبعين مقعدا في انتخابات المجلس التشريعي التي تمت قبل أيام.

وأعرب كورتزير عن اعتقاده بأن العراق يحتاج لثلاثة عوامل قبل البدء بالانسحاب الأمريكي من هناك، والعوامل لخصها كورتزير بتوفير الأمن ووضع الأساس لدولة القانون، وتعزيز الاقتصاد، واصفا الاحتلال الأمريكي للعراق بأنه أمركة للبلاد، وأن الاحتلال سيزول بعد زيادة عرقنة العراق علي حد تعبير المسؤول الأمريكي السابق.

وفيما يلي نص اللقاء:

وصف سعادة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الخارجية، الوضع في العراق بأنه في حاجة إلي مشاركة أبناء شعبه في بناء البلاد، وبحاجة كذلك للاستثمار الأجنبي الذي يخشي حاليا من انعدام الاستقرار في العراق، كيف تري الحل لإعادة إعمار العراق

- أعتقد أن معظم المتحدثين ركزوا علي عوامل تطوير الاقتصاد من خلال استغلال الطاقة المتوافرة في هذه المنطقة، والمشكلة التي تواجه هذه المنطقة هي العجز الموجود في حالة الوضع الأمني، والمستثمرون سوف يترددون كثيرا من الاستثمار في منطقة غير آمنة، ولن يأتي أحد ليستثمر تحت وطأة التهديدات في العراق، وإيران، وأعتقد أن هذا أمر لم يتم إنجازه بعد، والبعض يطالب الولايات المتحدة بالقيام بدور في هذا الشأن ولكن عندما تقوم الولايات المتحدة بالتدخل في مثل هذه الأمور، يتهمنا البعض بأننا دولة إمبريالية، وأننا نحاول السيطرة علي مصادرة الثروة في العالم.

سبب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية صدمة لدي الكثيرين في العالم الغربي، ما هو منظوركم لمستقبل القضية الفلسطينية بعد هذا التغير الجذري

- أعتقد أن السؤال المركزي عندما ننظر إلي المستقبل هو ليس فوز حماس في الانتخابات بل ما الذي ستقرره الحركة عبر الأغلبية التي حصلت عليها من خلال المجلس التشريعي الفلسطيني، خاصة وأنها ستكون قادرة علي تشكيل الحكومة القادمة.. أما إذا نظرنا للماضي فلن تكون إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأوروبية متفائلة بفوز حماس، لأن حماس نفسها لم تولد لدينا الشعور بالتفاؤل من خلال ممارستها للإرهاب، ورفضها العملية السلمية ورفضها حق إسرائيل في الوجود، وإذا راجعنا الماضي نجد أن سلوك حماس في الماضي كان إشكاليا.. ولكن الحقيقة أن الشعب الفلسطيني انتخب حماس بطريقة حرة وديمقراطية، وهو ما شاهدته في الانتخابات حيث كنت من بين المراقبين الدوليين، والتقارير التي كانت تصدر عن الانتخابات كانت تؤكد أنها حرة ونزيهة.. وتتحمل حماس الآن المسؤولية باعتبارها جزءا من السلطة الفلسطينية، وجزءا من القيادة، والسؤال كيف سوف تتصرف حماس حيال ذلك، وهل سوف تواصل دورها المعارض المعتاد، أم أنها سوف تجد الحلول لعلاقتها ليس مع الفلسطينيين أنفسهم بل مع إسرائيل كذلك.. لهذا أعتقد أنه علينا أن نعطي حماس قليلا من الوقت من أجل أن تنظم نفسها وتقوم بالقرارات الصائبة.

فوز حماس يعني تأييد الشارع الفلسطيني للحركة، لكن كيف يمكن لهذا الفوز أن يقلل من الوضع المتدهور في الأراضي الفلسطينية خاصة وأن الحركة كشفت عن إشارات للتغيير من سياستها والالتزام بالهدنة

- الجميع يأمل أن تفهم حماس من اختيارها بأنها يجب أن تتغير، وأن من حق الشعب الفلسطيني الحصول علي مستقبل سلمي ومزدهر.. لكن علي حماس أن تفهم ما حصل خلال هذه الانتخابات، وأنا لدي نظرية كمحلل سياسي بوجود عدة عوامل حول انتخاب حركة حماس، ومن هذه العوامل رغبة الشارع الفلسطيني في التخلص من الفساد والحصول علي إدارة قادرة علي قيادة الشعب بطريقة نزيهة، فخلال عشر سنوات لم تنجح القيادة الفلسطينية السابقة في توفير السلام للشعب الفلسطيني أو حتي الازدهار. لهذا حماس تمثل صوت الاحتجاج لدي الشارع الفلسطيني وليس الأمل في الحصول علي مستقبل أفضل، ولهذا أعتقد أن علي حماس أن تعيد تقييم نفسها، ويجب عليها أن تتعلم الدروس من هذه الانتخابات وان تكون هذه الانتخابات عاملا لحماس لتغيير نفسها، وتقود الشعب الفلسطيني في الاتجاه الذي يريده الفلسطينيون.

هل تعتقد أن الإدارة الأمريكية سوف تفتح قنوات للحوار مع الحركة بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية .

يبدو واضحا للرئيس الأمريكي جورج بوش، وأعضاء إدارته أنهم يرون ماضي حماس الإرهابي، ولكن بالطبع يجب أن ننظر للمستقبل لنري كيف سيكون عليه الحال مع الحركة، ولا يمكن تغيير السياسة الخارجية الأمريكية الآن قبل أن تري كيفية إدارة حماس للأمور، ووجهة نظري تكمن في عدم الضغط علي الحركة وضرورة إعطائها الوقت لاتخاذ القرارات السليمة، وعند ذلك يمكننا الحكم علي كيفية التواصل مع الحركة.

ما هو الموقف الغربي من الحركة في حال عمدت لتشكيل حكومة تكنوقراط، تعبر عن شعاراتها

- هناك فارق بين الذكي والحذق، وإذا كانت حماس حذقة بما يكفي بأن تقوم بما عليها في المجال الاقتصادي والإداري، من دون إجراء تغييرات جذرية في معتقداتها كمنظمة أسست من أجل القضاء علي إسرائيل، حينها ستكون الحركة حذقة ولكنها لن تكون ذكية.. بمعني آخر أن أية حكومة تكنوقراط تستطيع أن توفر حياة أفضل للفلسطينيين علي صعيد الخدمات والاقتصاد، ولكن علي المدي البعيد يحتاج الفلسطينيون لتوفير السلام من أجل إقامة دولتهم، والمشاركة بفعالية في المجتمع الدولي وهذا ما يمكن أن تقوم به حماس إذا كانت ذكية بما يكفي، ولن تستطيع حماس أن تستغفل المجتمع الدولي، عبر تشكيل حكومة تكنوقراط فيما تدار الحكومة من خلف الأبواب من قبل قيادات في حركة حماس.

هل تعتقد أن القضية الفلسطينية مليئة بالمفاجآت عبر تشكيل حزب كاديما ومن ثم غياب مؤسسه آرييل شارون عن الساحة السياسية، ودخول حركة حماس للمعترك السياسي .

- أمضيت أربع سنوات كسفير للولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، ولن أتفاجأ بالتغيرات اليومية، فكل يوم كان يطرأ تغير في الأجندة في هذه المنطقة، والأربعاء الماضي التقيت رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة إيهود أولمرت، وكان اللقاء قد سبق الانتخابات الفلسطينية، وخرجت من الاجتماع متسائلا أنه لو تمكن أولمرت من النجاح في الانتخابات الإسرائيلية في أواخر مارس القادم، ربما سيكون رئيس وزراء إسرائيليا ناجحا.. كما سيكون هناك فرصة سانحة لوجود انفراج علي مسار العملية السلمية.. وفي اليوم الثاني من اللقاء اضطررت لتعديل هذه الرؤية بعد فوز حركة حماس في الانتخابات.. واليوم يبدو حزب كاديما الإسرائيلي الجديد قويا جدا خاصة وأنه يحتل مرتبة الوسط بين العمل اليساري والليكود اليميني، وقد يخسر كاديما الانتخابات إذا ما اقترف أخطاء قبل بدء الانتخابات العامة في إسرائيل في الثامن والعشرين من مارس القادم.

البعض يقول أن حزب كاديما هو شارون، وأن شارون هو كاديما، وغيابه يعني فشلا مبكرا للحزب.. ماذا تقول :

-شارون في غيبوبة منذ أكثر من أربعة أسابيع.. لكن شارون كان ذكيا بما يكفي لتأسيس حزب وسطي قبل توعكه، وكاديما يحتل المركز الوسط.. وهذه ظاهرة جديدة علي المجتمع الإسرائيلي، قد تحظي بتأييد واسع من قبل الشارع الإسرائيلي، وبالنسبة للإسرائيليين يعني شيئين الأول أن الحزب سيكون متناغما مع المطالب السلمية والثاني أن الحزب الذي شكله شارون سيكون قاسيا علي الإرهاب، وما نعرفه عن أولمرت أنه شخص معتدل في العملية السلمية، ولكن عليه مواجهة تحديات أكبر من قبل حماس وحركة الجهاد وكتائب شهداء الأقصي.

هل تعتقد أن حركة حماس ستكون قادرة علي اتخاذ قرارات سياسية شجاعة، تلقي تأييدا واسعا من الشارع الفلسطيني، كما فعل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات .

لقد فشل عرفات في القيام بدوره كقائد في السنوات الأخيرة لحياته، ووقع اتفاقية السلام ولم يتمكن من بناء المؤسسات والبنية التحتية لدولة فلسطينية.. ولا أعرف إن كانت حماس لديها القدرة القيادية علي تغيير سياستها الماضية، وإذا ما استطاعت فعل ذلك فإن كل شيء ممكن.

ما هو الموقف الأمريكي القادم من حركة فتح بعد فشلها في مواجهة حماس .- الإدارة الأمريكية لا تختار الأحزاب الفلسطينية، أو قياداتها.. لقد استثمرنا في رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، وكنا نعرف أنه وخلال الانتفاضة كان صوت العقل والمعارض للعنف، وعارض عرفات في المناقشات الداخلية رغم أنه لم يفز بهذه النقاشات، ولكن بعد أن تولي عباس القيادة بعد وفاة عرفات، كان الوضع الفلسطيني فوضويا جدا، ولم يعط الفرصة لذلك، لهذا لم يمتلك عباس الأوراق الكافية للتغيير خاصة وأنه يدير الأراضي الفلسطينية التي تهدمت معظم بنيتها التحتية، وشابها العديد من الفوضي، وعلي الرغم من ذلك كله يحظي عباس بالاحترام من قبل الإدارة الأمريكية باعتباره شخصا معتدلا... ونعلم أن عباس حاول تقديم شييء منذ أن توليه منصب الرئيس، فعباس لم يسخر حياته فقط للشعب الفلسطيني، وأعتقد أن الفترة القادمة ستكون اختبارا لقدرات عباس في قيادة السلطة.

هل تعتقد أن حماس ستلقي دعما عربيا بخاصة من مصر التي رعت محادثات القاهرة التي أثمرت عن هدنة مؤقتة من قبل الفصائل الفلسطينية .

- لا أستطيع أن أتحدث عن مصر، فالعلاقة بين مصر وحماس ليست قوية كما تعتقد فمصر ترفض دعم الإرهاب، وأظهر المصريون ذلك من خلال موقفهم من الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية.. وتحاول مصر أن تري موقف هذه الجماعات بعد دخولها العملية السياسية وهل سيخفف ذلك من تفاقم الإرهاب لديها، ولكن لا أعتقد أن المصريين سوف يدعمون حماس إذا استمرت الحركة في استخدام الوسائل العسكرية الإرهابية من وراء ستار العملية السياسية، وهو الوضع بالنسبة للأردن والسعودية وبقية البلدان العربية، وسوف يتم الحكم علي حماس من خلال ما ستقوم به وليس بسبب انتخابها في أغلبية المجلس التشريعي، قد تحظي السلطة الفلسطينية في المستقبل بدعم مادي كالدعم الذي أعلنت عنه الرياض مؤخرا والذي أكدت الرياض أنه من أجل خفض العجز في الميزانية الفلسطينية، ولكن لن تقوم الدول العربية بدعم حكومة حماس فقط لأنها منتخبة بل ستحدد دعمها علي طريقة إدارة حماس للأمور.

هل تعتقد أن انتخاب حماس، ودخول الحركات الإسلامية السياسية للعملية السياسية، سوف يخفف من حدة دعم الشارع لجماعات تصفونها بالإرهابية مثل تنظيم القاعدة .

- لا أثق إن كانت حماس فعلا انضمت لاتفاقية أوسلو، ولا يمكن الجزم بالتأكيد أو النفي، ولكن يجب علينا أن ننتظر ونري ماذا ستفعل الحركة في المستقبل، وإذا كانت الحركة ذكية بما يكفي فسيكون هناك مؤشر في المنطقة بأن الإسلاميين يستطيعون أن يحكموا ويكونوا مسؤولين، لكن يظل السؤال فيما هل ستقبل حماس اختلاف وجهات النظر لديها وهل ستقبل منح المرأة الفلسطينية حقوقها، وغير ذلك من المطالب التي تلقي رفضا إسلاميا، هذه لائحة يطالب بها الشارع الفلسطيني وعلي حماس تلبيتها ولا تتحقق عبر الحصول علي أربعة وسبعين مقعدا في المجلس التشريعي.

يبدو وجود مؤشرات لانسحاب أمريكي جزئي من العراق، هل من الممكن أن نعتبر ذلك مؤشرا علي بدء الانسحاب الشامل من العراق

- الواقعية تقول ان الولايات المتحدة سوف تنسحب من العراق ولن تظل هناك إلي الأبد، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تنسحب من العراق في ليلة وضحاها، ليقول البعض أن الولايات المتحدة، تفر من المعركة، ولكن يجب أن يتم تقليل أمركة العراق في صالح عرقنته، وهذا يطرح سؤالا عن التوقيت في موازنة المعيارين، والمعيار الأول يعتمد علي الأمن ومدي تطبيقه، عبر منح العراقيين الثقة اللازمة من أجل العيش بسلام، وحاليا لا يمكن تحديد المعيار، وحتي ذلك الحين يجب أن نعزز قوة القانون، التي قضي عليها صدام حسين، أما المعيار الثالث فيكمن في تعزيز الاقتصاد في العراق، وتوفير بيئة آمنة للاستثمار.ولن أفاجأ بحصول انسحاب أمريكي خلال سنتين أو ثلاث، ولكن لا أعتقد أن إدارة بوش ستقوم بعملية الانسحاب بدون تخطيط ودراسة.