الصفحة الرئيسية  |  البرنامج   |   المشاركين  |  الأخبار |   الكلمات   |   ألبوم الصور   |  الفيديو   |  في الصحافة   |   مواقع مهمة   |  اتصل بنا
   

بسم الله الرحمن الرحيم
حول وسائل التواصل الاجتماعي وحوار الأديان ... نظرة استشرافية ـ في الشريعة الإسلامية

للدكتور : نصر فريد محمد واصل
مفتي الديار المصرية الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
والمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
وأستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر .

1ـ إن التواصل الاجتماعي بين البشر والمجتمعات السكانية المحلية والعالمية ضرورة حتمية لا غنى عنها بحال ، لدوام الحياة الإنسانية وعمارة الأرض والعيش فيها تحت راية الأمن والسلام لكل إنسان يلتزم بقانون هذا التواصل الاجتماعي الذي تقرره الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية الصادرة لحماية حقوق الإنسان المحلية والعالمية .
2ـ وإن الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا جعل رسالته المحلية والعالمية لتحقيق هذا التواصل باعتباره من تمام عقيدة المسلم وأخلاقه وشريعته التي يدين ويؤمن بها لله رب العالمين ، ويلتزم بها في كل عباراته لله وفي كل معاملاته مع بني جنسه من البشر المتواصلين معه بطريق مباشر أو غير مباشر ، لتحقيق السلام الاجتماعي ، ودوام العيش المشترك بينهم في كل مقومات الحياة ، والذي لا غنى عنه بأي حال في أي زمان ولا في أي مكان يعيش فيه الإنسان .
 
3 ـ وإن رسالة الإسلام عقيدة وشريعة لتحقيق هذا الهدف تتخطى ذاتية المسلم وفرديته إلى كل إخوانه البشر من بني جنسه ، لدوام صلة الرحم الإنسانية التي أمر الله بها عباده في قوله تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبا "
وذلك لأن تواصل المعارف والمنافع المادية والمعنوية والسلام الاجتماعي والخبرات الإنسانية بين البشر جميعا واجب شرعا وفريضة اجتماعية ، عملا بقوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير " .

4 ـ المسلم بعقيدته الإسلامية وشريعته العملية هو المنوط أصلا والمكلف شرعا بحمل هذه الأمانة الدينية والرسالة السماوية التي جاءت مع كل الرسل ، وأتم الله شريعتها مع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله عليه وعليهم جميعا أفضل الصلاة والتسليم ، وذلك لقوله تعالى : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " . وقوله تعالى : " ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ، ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا "

ولأمره صلى الله عليه وسلم المسلمين من بعده بحمل عبء الدعوة الإسلامية وتبليغها إلى الناس جميعا جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،وذلك بقوله عليه السلام في نهاية خطبة الوداع ـ خطبته الجامعة إلى جميع الناس ـ بعد أن ذكرهم بأن ربهم واحد وأن أباهم جميعا واحد هو آدم وأمهم واحدة هي حواء ، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أحمر أو أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح ، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب "

وذلك حتى لا يكون للناس بعد هذا التبليغ حجة على الله بعد الرسل يوم الحساب في ترك الإيمان وعدم العمل بشريعة الإسلام أخذا من قوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " . وقوله تعالى : " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " .

5 ـ ولخطورة هذه المهمة الجليلة وهي خدمة الإسلام والسلام الاجتماعي عقيدة وشريعة قولا وعملا ،والدعوة إليه وتبليغها لكل بني الإنسان بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله وأراد فقد كان عبء حملها على كاهل العلماء الذين بلغت مداركهم العلمية والعملية أصول الإسلام وفروعه بما يوافق العباد والبلاد في كل زمان ومكان ومؤسسي هذا العلم على مصادره الشرعية الأصلية من الكتاب والسنة أو التبعية الفرعية القائمة عليها معا ،
ولهذا رفع الله مكانة هؤلاء العلماء بهذه المهمة الجليلة إلى مكانة الملائكة المقربين إليه الذين شهدوا له ومعه بالوحدانية والقسط في قوله تعالى : "شهد الله أنه لا إله إلا هووالملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " .
كما رفع الله قدر هؤلاء العلماء ودرجاتهم الدينية والدنيوية في قوله تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " .

وقد حث الله تعالى المسلمين على طلب هذا العلم وحمل أمانته الجليلة بقوله تعالى : " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا فوقهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " .

ولمن ينال من المكلفين مكانة العلم والفقه في الدين ، فقد ورث علم الأنبياء وحاز خيري الدين والدنيا معا لقوله صلى الله عليه وسلم : " العلماء ورثة الأنبياء " . وقوله : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " . وذلك لأن من فقه في الدين فقه دنياه ، ومن فقه دنياه فقد استخلفها خلافة شرعية ، ومكنه الله منها ومن كل كنوزها وخيراتها ،وكانت له هذه الدنيا مزرعة صالحة وكنزا عظيما للآخرة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " العلماء ورثة الأنبياء " .وقوله صلى الله عليه وسلم : " وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع " .

6ـ والتواصل في العلم النافع والفقه في الدين بين العباد جميعا والبلاد في الإسلام واجب شرعا لا يجوز حجبه أو منعه على طالبيه بحال، لما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" .

وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس عنه قال : " تسمعون ويسمع منكم ، ويسمع ممن سمع منكم " .
ولما رواه أبو داوود في صحيحه بسنده عن زيد بن ثابت قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نضر الله امرئا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه " . وعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" والله أن يهدى بهداك رجل واحد خير لك من حمر النعم " .

7 ـ هذا : وخدمة الإسلام بهذا النشاط العلمي يجب أن تكون عامة وشاملة بما يشمل تصرفات العباد العملية في جميع البلاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وبيان النافع منها لهم والضار في حقوق الله وحقوق العباد العامة والخاصة في العبادات والمعاملات والعادات ، وذلك كله تنزيلا على خطاب الله المتعلق بأفعال العباد المكلفين طلبا أو وضعا على سبيل الاقتصاد أو التخيير بدليله الشرعي .

وهذا ما تم فعلا بطريق قطعي في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة والتابعين من بعدهم والعلماء المجتهدين من أمته خلفا عن سلف حتى عصرنا الحاضر ، والذي حملت الأمة الإسلامية في جميع العصور التاريخية أمانة العلم فيه وكلفت عقيدة وشريعة بدوام نشره وتبليغه بين جميع العباد والبلاد تنفيذا لما توجبه على المكلفين منهم شريعتهم وعقيدتهم الإسلامية وتواصلا في هذه المهمة الدينية مع سلفهم الصالح من العلماء والفقهاء المسلمين في جميع التخصصات العلمية والفقهية والتي هي في صالح كل العباد والبلاد ولا غنى عنها بحال في تحقيق التواصل الاجتماعي والسلام العالمي لكل البشر .

8 ـ هذا : وعلى من دخل في حقل النشاط العلمي من العلماء لخدمة الإسلام ودعوته الإسلامية العامة الشاملة أن يبين للعامة قبل الخاصة بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام والسلام وجهان لعملة واحدة ، وأن الإسلام جاء لتحقيق السلام بين البشر جميعا باعتبارهم جميعا عباد الله وخلقه ، لأن الله خالقهم جعل من أسمائه الحسنى ( السلام ) ، وأن ( السلام ) هو تحية المسلمين في الدنيا وفي الآخرة ، بل جعل ( السلام ) في شريعة الإسلام عبارة دينية وركنا من أركان الصلاة التي هي ركن ديني من أركان الإسلام عند التشهد فيها وعند الخروج ، بحيث لا تصح صلاة العبد المسلم ولا تقبل منه لله إلا بهذا السلام .
وذلك للتأكيد على أن السلام في الإسلام مأمور به في العبادة مع الله وفي المعاملات والعادات بين العباد بعضهم مع بعض بغض النظر عن اختلاف
عقائدهم الدينية وألسنتهم وأجناسهم وألوانهم لقوله تعالى : " لا إكراه في الدين " .
وقوله تعالى : " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " .وقوله تعالى :" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " . قوله تعالى : " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين " .

9 ـ هذا : والأصل في الإسلام في العلاقات الإنسانية الخاصة أو العامة المحلية أوالدولية العالمية هو السلام لأن الهدف الأساسي من الإسلام وشريعته ودعوته هو نشر السلام وتحقيقه بين جميع الأنام ، وهذا هو الأصل في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ، ولم تشرع الحرب في الإسلام إلا للدفاع عن الدين أو النفس أو المال أوالوطن لقوله تعالى : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " .
وقوله تعالى : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ، إن الله لا يحب المعتدين " .
وقوله تعالى : " فإن قاتلوكم فاقتلوهم ، كذلك جزاء الكافرين " .وقوله تعالى : " النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص " . وقوله تعالى : " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله " .
10 ـ هذا : والإسلام في كل تشريعاته جاء لتحقيق الأمن والسلام للنفس الإنسانية بصفتها الإنسانية ذاتية شخصية أو جماعية ، وجعل الاعتداء بغير حق عليها بما يؤدي إلى قتلها كأنه قتل للناس جميعا لقوله تعالى : " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " .
بل جعل الإسلام الإفساد في الأرض بما يهدد النفس الإنسانية الآمنة في ذاتها أو مالها أو عرضها أو وطنها أو دينها هو محاربة لله ولرسوله وللمجتمع الإنساني كله بما يوجب قتله أو صلبه أو تقطيع أطرافه من خلاف أو نفيه من الأرض ،
وذلك لقوله تعالى : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم
وهذا الإفساد في الأرض والذي هو محاربة لله ولرسوله وتهديد لأمن الفرد والجماعة هو الإرهاب الذي حرمته كل الشرائع السماوية والقوانين
الوضعية ، وهوبعيد كل البعد عن الجهاد المشروع في الإسلام ، والذي هو دفاع عن النفس والعرض والمال والدين والوطن الذي شرع لحماية الكليات الخمس الضرورية للحياة الإنسانية ، وذلك بقوله تعالى : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " .
وذلك لأن إعداد القوة وعدة السلاح لحماية النفس والوطن من اعتداء هذا العدو المحتمل هو ردع له وتخويف له من هذا الإقدام والاعتداء غير المشروع ، وبذلك كان هذا الإعداد القوي والاستعداد للعدو هو أكبر زاجر له عن الإقدام بالاعتداء على الغير بغير حق .وبذلك يتحقق السلام له ولمن سيعتدي عليه لأنه لا يفل الحديد إلا الحديد ، وذلك لقوله تعالى : " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس " .
وبذلك يكون البون شاسعا بين الإرهاب وهو الإفساد في الأرض ، والذي حرمه الإسلام في جميع الأحوال في الحرب والسلم على حد سواء وبين الترهيب والتخويف بإعداد القوة والعدة لحماية النفس الإنسانية ومتطلباتها الحياتية والضرورية والدفاع عنها عند الضرورة القصوى إذا اقتضى ذلك منها حسب مقتضى الحال والمقام ، وهذا مما تقره جميع الشرائع السماوية والوضعية والعقول الإنسانية السليمة في جميع العصور والأزمان ، وهذا ما يجب على علماء الأمة الإسلامية وأولي الأمر فيها بيانه وتوضيحه بجلاء لغير المسلمين جميعا في العالم كله بكل اللغات وبما يناسب عقولهم ومداركهم العلمية والثقافية ليدرأ المسلمون عن كاهلهم تهمة الإرهاب التي
ألصقها بهم زورا وعدوانا أعداء الإسلام والسلام لتحقيق مآربهم الاستعمارية في احتلال ديار المسلمين وسلب مقدساتها وخيراتها ووقف نشر راية الإسلام والسلام في كل مكان " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ." ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز

11 ـ وللعلم والعلماء وأصحاب المعارف والعلوم النظرية والعملية لتحقيق التواصل الاجتماعي وخدمة الإنسانية والسلام المحلي والعالمي في نظر الإسلام مكانة كبيرة وعظيمة . وسيظهر لكل باحث منصف وعالم في جميع التخصصات العلمية المادية والمعنوية في الشريعة الإسلامية أنه لا خلاف مطلقا في أن نشاط مادي يتعلق بالبحث العلمي وتجاربه ما دام أنه يتعلق
بصالح الإنسانية والبشرية ويعمل على تطورها الاجتماي ونمائها وجميع متطلبات الحياة المعيشية المادية والمعنوية وذلك لتحقيق دوام استخلاف الإنسان في الأرض خلافة شرعية تحقق الخير والسلام الاجتماعي للجميع باعتبارهم جميع عباد الله وخلقه ، وأنهم جميعا إخوة في الإنسانية ينتسبون في الأصل إلى أب واحد هو آدم وأم واحدة هي حواء مهما تعددت ديارهم واختلفت أجناسهم وألوانهم وألسنتهم وعقائدهم الدينية والثقافية .

12 ـ وقد كرم الإسلام العلم والعلماء ورفعهم إلى المنزلة التي لا يصل إليها إلا الملائكة المقربون الذين شهدوا مع الله تعالى لنفسه بالوحدانية في قوله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هووالملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " .
ومن النصوص الشرعية الدالة على رفعة العلماء ومكانتهم في الإسلام قوله تعالى: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " .
وقوله تعالى : " اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم " .
وهذه الآية هي أول الآيات القرآنية التي نزل بها الوحي من السماء على النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك في إشارة واضحة على أن المدركات الإيمانية والعلمية للإنسان لا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة العلم الذي منحه الله للإنسان سواء كان ذلك بطريق الوحي مع الرسل والأنبياء أو بطريق الاكتساب البشري والتفكير العقلي والاجتهاد النظري والعملي .
كما أن فيها إشارة إلى أن كل علم يعلمه الإنسان في الزمن الماضي أو يتعلمه في الحاضر أو المستقبل إنما هو من علم الله ، وما علمه إياه منحة منه سبحانه وأنه قليل جدا من علم الله الكثير الذي لا يحده حدود، والذي وردت الإشارة إليه في قوله تعالى في قوله تعالى :" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " . وقوله تعالى : " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض ، وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " .
وهذه الأسماء التي علمها الله لآدم ما هي إلا أسماءالعلوم كلها وأسرارها العلمية ومفاتيح كنوزها المغلقة ماظهر منها واكتشف حتى الآن وما خفي منه ولم يظهر بعد للعلماء حتى نهاية الحياة الدنيا وقيام الساعة وعلمها غيب عند الله وحده لقوله تعالى : " إن الله عنده علم الساعة " .
وهذا العلم الذي منحه الله للإنسان كله يخضع لمدراكه العقلية الذي حد لخلقه في الإنسان وسر من أسراره والذي أودعه الله سبحانه في آدم أول البشر خلقا وأبوهم نسبا في الأرض الذي استخلف فيها ثم في نسله من بعده وفي ذريته إلى أن تقوم الساعة كآية من آيات الله العظمى في خلقه .
(وبهذا العقل وبمداركه العلمية كرم الله الإنسان بصفة الإنسانية وكان به مؤهلا للاستخلاف في الأرض لكل مظاهر الحياة الدنيا وقادرا على تحمل المسؤولية وعلى حمل الأمانة الشرعية التي كلف بها والعمل بما جاء فيها لحفظ الحياة البشرية والاجتماعية والسلام والتواصل الاجتماعي بين البشر في كل زمان ومكان ، وذلك يدل عليه قوله تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه
كان ظلوما جهولا " .
وبالعقل الذي يحمله الإنسان في داخله تتم معه كل العلوم النظرية والعملية وتظهر به كل ما يكتشف ويستخدمه من اختراعات حديثة وفنون متنوعة وهي علم من علم الله الذي علمه للإنسان ، وهو كما سبق ذكره قليل من كثير لقوله تعالى : " وما أتيتم من العلم إلا قليلا " .
وتتفاوت العلوم ومداركها بين العلماء قلة وكثرة وتنوعا وذلك بقوله تعالى : " وفوق كل ذي علم عليم " .
هذا ولأهمية العلم بجميع فروعه وتخصصاته للبشرية والإنسانية والحياة الاجتماعية وتواصلها العلمي والاجتماعي ، فقد حث الإسلام على طلبه وتعلمه وتعليمه وأمر بذلك كله في نصوصه التشريعية ، وجعله من الناحية الدينية فريضة اجتماعية يجب على المسلم المكلف السعي إليها وإدراك خصالها وتوصيلها إلى غيره من الطالبين والساعين إليها يدل على ذلك كثير من النصوص الشرعية الإسلامية منها : حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " . وقوله تعالى : "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا فوقهم أن ارجعوا إليهم لعلهم يحذرون " .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " العلماء ورثة الأنبياء " .
وليس بعد هذا تكريم للعلم والعلماء في نظر الإسلام وشريعته .

13 ـ والعلم في عصرنا الحديث حدثت فيه ثورات علمية كبيرة في كثير من المجالات وبخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة المقروءة والمسموعة والمرئية مما أصبح العالم كله في إطارها مقروءا ومسموعا ومرئيا في وقت واحد وفي لحظات معدودة كأنهم في بيت واحد صغير يتراءى بعضهم مع بعض ، وهذا من فيض الله عليهم بعلمه الذي هداهم إليه ونعم الله كثيرة على خلقه وهي ولا تحصى ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله عليها وهم عنها غافلون ، وذلك لقوله تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، إن الإنسان لظلوم كفار " .
وكان من المفترض في ظل هذه الثورة التكنولوجية الحديثة ، والتي في رحابها يتواصل الناس مع بعضهم وجها لوجه بالصوت والصورة في قربهم وبعد أوطانهم أن تحل جميع مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية ، ويتحقق بينهم التعاون والتكافل في كل مجالات الحياة ويعم بينهم السلام الاجتماعي الذي يقضي على النزاعات والحروب المحلية والإقليمية والدولية التي تنتشر بينهم في كل مكان وتهدد أمنهم وسلامهم الاجتماعي كما هو ملاحظ ومشاهد في كثير من المواقع الاجتماعية في مختلف أرجاء العالم الآن ، وبذلك كان من المفترض أن تكون إيجابيات هذه الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الحديثة أكثر من
سلبياتها ، ولكن للأسف فإن الملاحظ أن سلبياتها قد غلبت على إيجابياتها وذلك بسبب غياب التعاليم الدينية والأخلاقية التي أقرتها وأمرت بها جميع الشرائع السماوية والتي نزلت مع جميع الأنبياء والرسل عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام .

14 ـ وإن الأمية الدينية والثقافية لأتباع أصحاب الشرائع السماوية والتعصب عن جهل بينهم والموقف الرافض والعدائي للدين وجميع شرائعه السماوية من الملحدين والمنكرين لها والعلمانيين الذين يفصلون بين الدين والدولة والحياة الاجتماعية فصلا كاملا ، هي من أهم الأسباب الرئيسة لتغلب الجانب السلبي على الجانب الإيجابي لثورة التواصل المعلوماتية الحديثة التي أنعم الله بها على المجتمع البشري ، والتي هي من فضل الله عليهم لتحقيق التعاون والتكافل الإنساني في كل مجالات الحياة بينهم ، ليعم بينهم الأمن الاجتماعي في كل مكان والسلام العالمي لجميع السكان .

15 ـ وقد راعى الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا حقوق الإنسان الشخصية والاجتماعية والمحلية والعالمية في عباداته وجميع معاملاته مع المكلفين بها من العباد ، وألزم المسلمين بالتواصل الاجتماعي والسلام بين بني جنسهم والتعاون بينهم في كل ما يحقق لهم سبل الحياة المعيشية وحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية وذلك باعتبار الإسلام والسلام وجهين لعملة واحدة في شريعة الإسلام ، وأن الإنسان والحياة التي يعيش فيها بكل مكوناتها الاجتماعية والمادية وجهان لعملة واحدة في شريعة الإسلام ،وأن الإنسان والحياة التي يعيش فيها كالروح مع الجسد لا وجود لأحدهما دون الآخر بحال وهذا ما يشير قوله تعالى : " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " والمراد بالمال في الآية هو كل منافع الحياة الدنيا التي يعيش بها الإنسان من طعام وشراب وكساء ودواء وسكن وغير ذلك مما هو في حاجة إليه ويرغب فيه في معيشته الحياتية من الناحية المادية أو المعنوية ، وسواء كان ذلك من ضرورات الحياة للإنسان أو الحاجة له أو التحسيني والترفيهي مادام ذلك ذلك مباحا له وحلالا ولا حظر فيه شرعا .
وأما البنون فالمراد به في الآية الكريمة هو بنو آدم ، وهو الإنسان في كل زمان ومكان ، وهو الذي استخلفه الله في الأرض كلها على عمارتها والعيش فيها بالتكاليف الشرعية التي كلفه الله بها لتحقيق هذه الخلافة على وجهها الشرعي كما أمر الله وأراد لتحقيق السلام الاجتماعي في الأرض بين جميع العباد .

16 ـ وقد راعى الإسلام في كل تشريعاته الدينية والدنيوية التزام العباد المكلفين بأحكام هذه التشريعات العمل على إحياء الكليات الخمس الضرورية للإنسان والحياة معا وحفظهما من العدم ، وهي الدين والعقل والنسل والمال .
والدين والنفس والعقل والنسل في ذات الإنسان وداخله لأن الدين عقيدته الدينية والنفس هي ذات الإنسان ، والعقل هو جزء منه ، وهو كل الإدراك والتكليف الديني والاجتماعي ، والنسل هو جزؤه الخارج منه والمنتسب إليه امتدادا لدوام الحياة الإنسانية والبشرية وتواصلهما جيلا بعد جيل للمحافظة على النوع الإنساني والمجتمعات السكانية في الأرض لدوام عمارتها صالحة للإنسان الخليفة فيها . وبذلك كانت الكليات الضرورية الأربع لدوام الحياة البشرية في ذات الإنسان وداخله .
وأما الكلية الخامسة الضرورية لبقاء الإنسان والحياة معا فهي المال ، وهي كل متاع الأرض المادية والمعنوية التي يحيا بها الإنسان ويعيش عليها كما سبق بيانه وتوضيحه من قبل . وبذلك كان الإنسان والحياة التي يعيش عليها وجهين لعملة واحدة كالروح مع الجسد لاغنى لأحدهما عن الآخر في دوام الحياة والوجود الإنساني الشخصي والاجتماعي على حد سواء . وبذلك كان من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية في كل تنويعاتها الدينية والدنيوية هو المحافظة على هذه الكليات الضرورية الخمس والعمل على إحيائها من العدم في الحياة البشرية الاجتماعية في كل زمان وفي كل مكان .

17ـ هذا وإحياء الدين يتحقق بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعا واليوم الآخر والقضاء والقدر والعمل بأركان الإسلام الخمس وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج لمن استطاع إليه سبيلا ، وهي ما تتحقق بها العبادات الخاصة في الإسلام . وإحياء النفس يتحقق بتناول كل ماهو حلال لها مما يقيم أودها ويحفظها من العدم وبمشروعية القصاص عند الاعتداء عليها حسبما هو مفصل في محله عند فقهاء التشريع الإسلامي في كتبهم الفقهية .
وإحياء العقل وحفظه من العدم في الإسلام يتحقق بما تتحقق به حياة النفس وتحرم الخمر والمسكرات والمخدرات وكل ما يؤدي إلى زواله أو التأثير عليه بالضرر أو النفس وبمشروعية حد الشرب للخمر والسكر .
والمحافظة على النسل : وإحياؤه وإدامته صالحا لمهمته الاستخلافية الشرعية تتحقق بالزواج المشروع وعدم اختلاط الأنساب بين الناس في المجتمع ومشروعية حد القذف وحد الزنا بشروطه الشرعية المفصلة في محلها عند الفقهاء في كتبهم الفقهية .
أما إحياء المال في التشريع الإسلامي فيتحقق بنمائه في كل مجالاته الإنمائية التي أحلها الله إنتاجا واستهلاكا واستثماره في الزراعة والصناعة والتجارة والبحث العلمي وكل نشاط مالي يتحقق معه دوام هذا المال وإحياؤه لصالح الإنسان ودوام حياته المعيشية على أكمل وجه يتحقق معه التكافل الإنساني والسلام الاجتماعي والأمن الغذائي .
وهذا من حيث الوجود ، وأما من حيث المحافظة عليه من العدم فقد شرعت العقوبات الحدية للسرقة وقطع الطريق والإفساد في الأرض للحصول على هذا المال بما يهدد بقاء المال والإنسان معا بل والحياة الاجتماعية الآمنة .
وبذلك كانت الجريمة لخطورتها على المال والفرد والمجتمع تعد في شريعة الإسلام محاربة لله ولرسوله وكان الجزاء العقابي عليها شديدا يتناسب مع خطورة الجريمة على المال والإنسان وذلك ثابت في قوله تعالى
: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أ قتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " .
وأسس التشريع الإسلامي كلها تقوم على إحياء هذه الكليات الضرورية الخمس وحفظها من العدم مع رعاية مصالح الناس جميع ورفع الحرج ودع المشقة عنهم في كل تشريعاته مع تحقيق العدالة الشاملة بين البشر في التشريع والحكم والقضاء .

18 ـ وعدم الحرج : ورفعه عن الإنسان في دين الإسلام وشريعته عند ممارسة حياته العملية الشخصية والاجتماعية في الحياة الدنيا مع التزامه في نفس الوقت بأحكام عقيدته الدينية وشريعته الإسلامية من الأسس التشريعية العامة في دين الإسلام وشريعته في كل زمان وفي كل مكان مع جميع العباد المكلفين والملتزمين بأحكامه الشرعية ، وذلك ثابت بكثير من
نصوص الإسلام الشرعية منها : قوله تعالى : " وما جعل عليكم في الدين من حرج " . وقوله تعالى : " ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج " .وقوله تعالى : "ليس على الأعمى حرج ولا على العرج حرج ولا على المريض حرج " .
وقوله تعالى : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " . وقوله تعالى : " يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا " .
وهذا التخفيف والتيسير ودفع الحرج ورفع المشقة عن المكلفين من العباد في الإسلام يشمل العبادات والمعاملات والعادات والعقوبات .

19 ـ وأما رعاية مصالح الناس جميعا في دين الإسلام وشريعته في كل زمان وفي كل مكان ، فذلك لأن رسالة الإسلام رسالة عالمية ، وجاء رحمة للعالمين جميعا لقوله تعالى : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .
وقوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " .

20 ـ وأما تحقيق العدل عامة للناس جميع في الحقوق والواجبات وفي الحكم والقضاء فهو من الأسس العامة الواجب الالتزام به في الإسلام عقيدة وشريعة ، وذلك ثابت بالنصوص الشرعية الإسلامية الملزمة لجميع المكلفين من العباد المسلمين والتي منها قوله تعالى : "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي " .
وقوله تعالى : "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " .
وقوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بها فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا " . وقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله " . وقوله تعالى : "إن أكرمكم عند الله أتقاكم "
وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أحمر أو أسود إلا بالتقوى "
قوله صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد عندما جاء إليه يشفع في حد من حدود الله : " يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله ؟ثم قام صلى الله عليه وسلم وكان جالسا فقال : إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لوأن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .
هذا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
 

   
يفتتح مؤتمر الدوحة التاسع لحوار الأديان أعماله الاثنين 24 أكتوبر في فندق الشيراتون في الدوحة، قطر، باشتراك أكثر من مئتي شخصية دينية و أكاديمية من خمسة و خمسين بلداً.
يتطرق المؤتمر هذه السنة إلى موضوع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الحوار بين الأديان، عبر جلسات وورش عمل تمتد لثلاث أيام متواصلة.
يعقد مؤتمر الدوحة التاسع لحوار الأديان بإشراف مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان و اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات
.
تنبيهات بريدية  
للحصول على آخر الأخبار والتحديثات من فضلك أدخل عنوان بريدك الإلكتروني