الصفحة الرئيسية  |  البرنامج   |   المشاركين  |  الأخبار |   الكلمات   |   ألبوم الصور   |  الفيديو   |  في الصحافة   |   مواقع مهمة   |  اتصل بنا
   

العقل الإنساني الجمعي في عصر ثورة الاتصالات والمعلوماتية
حسين منصور
مدرس الأدب و التاريخ الأندلسي بجامعة كومبلوتنسي بمدريد
husseinmansur@hotmail.com

يبدو جلياً الآن لكافة المراقبين والمحللين للتطورات التي يمر بها مسار التقدم الحضاري البشري على كوكب الأرض أننا بصدد ما اصطلح على تسميته ( عصر المعلوماتية) ثمرة التقدم المذهل في سبل ووسائل الاتصالات التي استطاع الإنسان من خلالها تجاوز أكبر تحديين كانا يواجهانه منذ بدايات مشروعه التأسيسي لحضارته على سطح هذا الكوكب وهما الزمن والمسافة, فمن خلال الطفرة الفائقة في مجال وسائل المواصلات أولاً استطاع تجاوز عائق المسافة محققاً ما كان يعد معجزة في أزمان سابقة ليكون أمراً معتاداً في عصرنا الراهن. فها نحن نرى الآن أناساً يتناولون الوجبات الثلاثة في اليوم في بلدان مختلفة.

ولم يعد إنسان اليوم بحاجة إلى القدرات البصرية الخاصة لزرقاء اليمامة ليرى على مسافة أميال بل تجاوزها بفضل التكنولوجيا الحديثة ليرى ما يحدث في قارات العالم من أقصاها إلى أقصاها دون أن ينظر أبعد من مرمى الشاشة المثبتة على بعد أمتار قليلة من ناظريه، إن قهر الإنسان لحاجز المكان زاد من شبقه لتجاوز الحاجز الآخر.. حاجز الزمان، ولم يعد حلم آلة الزمن التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يعود ليعيش داخل لحظة زمنية فائتة ومنتهية مجرد حلم سنيمائي خيالي.

بل بدأت أولى خطوات تحقيقه من خلال تثبيت الإنسان للحظات زمنية معينة وتخزينها بهدف استرجاعها عند الحاجة، وذلك من خلال التقدم المذهل في عالم الصورة، وليس مجرد الصورة الثابتة التي كانت الشاهد الوحيد بين أيدينا على ما مضى من حضارات إنسانية كالحضارة الفرعونية والرومانية والإغريقية والفارسية والصينية وغيرها، حيث تم تسجيل اللحظة فيها عبر النص المكتوب والصورة المرسومة أو المنحوتة وهي صورة جامدة ثابتة، تظل رؤيتنا لها وتأويلنا لمضمونها ودلالاتها مرتبطاً لحد بعيد برؤية مبدعها الذي حاول من خلال خطوطها وتفاصيلها أن يقدم لنا معنى محدداً يريد أن ينقله للأجيال القادمة سواء أكان ذلك التأويل أو تلك الفكرة حقيقية أو زائفة.

إن إنسان اليوم توصل إلى اختراع حفظ الصورة المتحركة الصورة المماثلة للواقع دون تزييف أو تأويل حتى لا يصادر على حق من سيأتون بعدنا أن يفسروها حسب رؤيتهم هم، دون فرض نظرتنا نحن وتأويلنا الخاص لها.
إننا نعيش عصر ذاكرة الصورة الحية المتحركة النابضة بالحياة، إنه تثبيت للزمن وحفظ له بطريقة تجعل استعادته والولوج إلى قلبه ومعايشته أمراً سهل المنال أمام الأجيال القادمة.

لقد انتهى مفهوم الماضي حين تمكن الإنسان من استحضاره وحفظه داخل خزانة الحاضر. إن مصطلح ( المضارع التاريخي) الذي يعني استخدام الزمن الحاضر للإشارة للماضي لم يعد مصطلحاً لغوياً فحسب، بل أضحى حقيقة واقعية معاشة.

فالحواجز التي كانت تحول بين الإنسان والمعرفة تتهاوى في تتابع سريع يفتح أمامه الطريق لتحقيق المغزى الأساسي لوجوده على سطح الأرض، بل وتميزه عن بقية المخلوقات ألا وهو المعرفة.

تلك المعرفة التي كانت الاختبار الأول الذي أثبت الله من خلاله للملائكة تميز هذا المخلوق الجديد آدم، بل والذي جرَّ عليه عداء إبليس له، وفقاً للنص المتداول في كافة الأدبيات الدينية على اختلافها، بل ويحدده لنا المولى عز وجل في القرآن الكريم بقوله: " وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون"، والعبادة هنا أراها من منظور الكشف والمعرفة لدلائل قدرة الله وسموه عن خلقه، ذلك الإيمان الذي يقود صاحبه إلى إعلان الخضوع والاستسلام الكامل لإرادة هذا الإله القادر المبدع المتحكم.

إن هذا الاستسلام هو جوهر الإيمان والاعتقاد الرابط لكافة الأديان، وهذا يؤكده قوله تعالى: " إن الدين عند الله الإسلام"، فالإسلام بمعنى الاستسلام لإرادة الله الخالق والإذعان لمشيئته هو جوهر الدين أياًّ كان مسماه: يهودي أو مسيحي أو إسلامي.

وبالتالي فإن المعرفة هي الجسر الذي ينبغي أن يسلكه المؤمن كي يصل إلى الله، إن هذه هي الرسالة التي حرص كل الأنبياء والرسل واجتهدوا من أجل إيصالها للناس وتذكيرهم إياها وهي أنك كلما نظرت وتأملت وفكرت وعرفت وتعلمت لابد أن يقودك ذلك إلى الإيمان المطلق المستسلم لإرادة الخالق المبدع المتحكم في كل تفاصيل الكون. لقد كان شغلهم الشاغل والمهمة التي تحملوا من أجلها الإيذاء والعنت من أقوامهم هي إيصال الرسالة.
والآن ونحن في عصر المعلوماتية استطاع الإنسان أن يعبِّد الطريق ويزيل المعوقات والحواجز التي تحول دون إيصال الرسالة بأسرع وأدق وأيسر وأوسع صورة ممكنة.

إننا نعيش عصر "الرسالة" الموثقة، إننا يمكننا أن نوصل الرسالة لكافة أرجاء المعمورة بلا أية حواجز مكانية، وكذلك يمكن أن نوصل الرسالة لمن سيخلفنا في هذه الأرض دون أن نصادر على حقهم في إعادة قراءتها من منظورهم هم دون فرض منا لقراءة بعينها.

الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) و(العقلية الشبكية)
إن التكنولوجيا الحديثة التي يسرت على الإنسان مهمة التواصل السريع مع أبناء جنسه، بل مع كل العناصر المشكلة للكون بصورة شديدة السرعة نتج عنها غزارة هائلة في الإنتاج الفكري الإنساني على كافة الأصعدة المعرفية.
حيث أضحت البشرية لديها القدرة على تجديد معارفها ومراجعة كافة أنساقها المعرفية كل بضع سنوات، وبالتالي فإن هذه الغزارة في الإنتاج المعرفي الإنساني ارتبطت ارتباطاً طردياُ بوسائل نقل هذا الإنتاج وتبادله عبر بقاع الدنيا، وبالتالي ساهمت المستحدثات التكنولوجية ليس فقط في نشر المعلومة أو الفكرة، وإنما في عملية توالدها المستمر والمطرد.

هذه الغزارة المعرفية دعت إلى ضرورة تطوير تقنيات حفظها، وبالتالي طور الإنسان تقنيات الفيديو كاسيت والفيديو ديسك إلى أقراص الليزر وتكنولوجيا الاتصال الرقمي والأقراص الضوئية CDROM، وتكنولوجيا الوسائط المتعددة MULTIMEDIA، وتكنولوجيا الفيديو التفاعلي ANIMATION، وتكنولوجيا المؤتمرات عن بعد وتكنولوجيا الطرق السريعة للإعلام مع تطوير أنظمة التلفزة للوصول إلى تكنولوجيا التليفيزيون منخفض القوة عالي الدقة. 1 فضلا عن التطوير الهائل في تكنولوجيا الذاكرات الإليكترونية.

كل هذه الوسائط الحديثة ساهمت في خلق فضاء هائل من المعرفة متعددة المصادر والسماوات، لذلك كان لابد من تنظيم شبكي يمكن من خلاله الربط بين كل هذه المصادر والمعلومات السابحة في فضاء العقل الإنساني، ولذلك كان ظهور شبكة الإنترنت أو الشبكة الدولية أو العنكبوتية للمعلومات هو التطور الطبيعي والثمرة الناضجة لهذا التدفق المعلوماتي والغزارة المعرفية للعقل البشري الجمعي، وكل يوم نشهد امتداداً جديداً لأذرع هذه الشبكة العنكبوتية التي تمثل أول ترابط حقيقي يربط بين كافة أبناء البشرية منذ تشعبهم إلى شعوب ودول وأجناس وأعراق وألوان ولغات شتى..

" لقد ذكرت شركة "كومسكور" المتخصصة أن عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في العالم تجاوز المليار، ومن المرجح أن يكون العدد أكبر من هذاالمذكور بكثير لأن الشركة لم تأخذ في الاعتبار سوى الرواد الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاما ويستخدمون الشبكة من مقر عملهم أو منزلهم، ولم تأخذ بعين الاعتبار مقاهي الإنترنت ولا مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف النقالة.

ويؤكد مدير الشركة على أن عدد الرواد سيصل إلى مليارين أو ثلاثة مليارات بسرعة فائقة. ويتوزع مستخدمو الشبكة على قارات الدنيا بنسب متفاوتة، حيث يقدر عدد الرواد في شرق آسيا بـ41% وفي أوروبا بـ 28% وأمريكا الشمالية بـ 18% وأمريكا الجنوبية بـ 7% والشرق الأوسط وأفريقيا بـ 5% "
وإذا سلطنا الضوء على واقع العالم العربي في دنيا المعلوماتية سنجد أنه " رغم أن معدلات استخدام الإنترنت في الوطن العربي تبقى أقل من المعدل العالمي، ورغم انخفاض نسبة مستخدمي الإنترنت العرب عن مجموع مستخدمي الإنترنت في العالم –وفقاً لتقرير التنمية البشرية العربية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة- فإن الجانب الآخر من القصة هو تزايد استخدام الإنترنت في الوطن العربي عدة أضعاف، وفي بعض الدول العربية عشرات الأضعاف، كما تدل إحصائيات الاتحاد الدولي للاتصالات"

وكشف تقرير الإحصاءات العالمية أن إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي بلغ 38 مليونا " 4
العقل الإنساني في عصر المعلوماتية:
إن طبيعة الحالة المعرفية في عصر المعلوماتية التي تمتاز بالتدفق والغزارة وسرعة الانتقال والتطور المستمر والانتشار الواسع وجدلية التواصل لا بد وأن تنتج عقلاً متناسباً مع هذه الحالة بسماتها الفارقة كما كانت عليه في الماضي، لذا يمكن أن نرصد مجموعة من السمات المميزة لهذا العقل الإنساني في عصر المعلوماتية.
إن أول سمات هذا العقل هو مفهوم الجمعية أو الإنسانية، حيث أن طبيعة الشبكة المعرفية الإنترنت لابد وأن تخلق عقلاً جمعياً متواصلاً بعلاقات شديدة التعقيد مع كافة الأطراف المحيطة بدرجات متباينة من حيث القرب أو البعد، لكن لابد وأن يحتفظ بقدر ما من التواصل معها جميعاً، وبالتالي يمكنه إنتاج ما يمكن وصفه بالثقافة الكونية والذائقة العولمية التي تبقي تواصله الحميم مع ثقافته الأم التي يعيش في رحابها دون أن يعني ذلك جهله بالثقافات الأخرى التي وإن لم يمارسها، ولكن يحتفظ بحقه في الاطلاع عليها والتعرف على ملامحها، بل واتخاذ موقف منها سواء إيجاباً أو سلباً، ولكن هذا الموقف على اختلافه يعد شكلاً من أشكال التعاطي معها والتواصل.
لقد أضحى آلاف الملايين من البشر يشاهدون نفس المباراة ويأكلون نفس الوجبة السريعة ويتناقشون حول نفس القضية فيما يمكن وصفه بالعولمة الثقافية والتي حتى وإن طغى على السطح فيها المشهد الثقافي للقوى الحضارية المسيطرة، لكن تُبقي شبكية المعلومات المتداولة على حق الثقافات الأضعف في البروز إلى السطح بين الفينة والأخرى، بل إن التطور التاريخي يعلمنا دوماً أن دورية تصدر المشهد هو حتمية تاريخية.

إن هذه السمة المميزة للعقل الجمعي الإنساني لا بد أن تساهم في إعادة طرح وتفسير بعض المفاهيم.. على غرار مفهوم الآخر ومفهوم المواطنة ومفهوم الهوية ومفهوم الانتماء.

هل تجاوز حاجزي المسافة و الزمن يمكن أن يؤدي إلى توسيع مفهوم الوطن و من ثم معنى الانتماء الذي يستند إلى مجموعة من عناصر التواصل، أهمها عنصر الجغرافيا، بين عدد من البشر تخلق بينهم فكرة المواطنة؟ هل اقتسام عناصر تواصل جديدة ناتجة عن ثورة وسائل الاتصال الحديثة يمكن أن يخلق مفهوم المواطنة العولمية و بالتالي تجاوز أسباب الاختلاف المستندة إلى العرق أو الجنس أو الدين؟ و من ثم يختلف مفهوم الآخر الذي سيعني المخالف في طبيعة البنية المعرفية و آليات التفكير و النسق القيمي الذي سيتم اختياره من بين الأنساق العديدة السابحة في الفضاء المعرفي المفتوح على مصرعيه حتى و إن كان مشاركا في نفس البقعة الجغرافية و اللغة و الملامح الجسدية الشكلية؟

و هذا ما نشهده الآن من خلال الصراعات بين الاتجاهات الفكرية و الأيديولوجية داخل نفس البلد الواحد و التي تفوق في حدتها أحيانا الصراعات بين الأجناس و الديانات المختلفة.

هل الواقع المعرفي الجديد سيقود إلى خلق انتماءات جديدة تستند إلى الأيديولوجيا و ليس الجغرافيا؟

إلى أي مدى سيمكن إخضاع هذا العقل الإنساني الجمعي لأنساق محددة تملى عليه و تحصر تفكيره داخل حدودها الضيقة؟ أليس التدفق المعرفي غير المحدود ستجرف أمواجه العاتية أية محاولة للسيطرة على هذا العقل؟ و بالتالي لن يمكن حشده و توجيهه نحو تبني موقف معين انطلاقا من قناعات خارجة عن ذاته بنفس السهولة التي كان عليها هذا الأمر من ذي قبل؟

أليس الانتصار التكنولوجي على فكرة الماضي و حصره و تخزينه داخل مستودع الحاضر عبر تقنية ذاكرة الصورة المتحركة (الفيديو) يقلل من إيمان هذا العقل بالمقولات و الأفكار الماضوية التي كان دوما مطالبا بالتسليم بصحتها و الخضوع لسلطانها دون مناقشة أو تفنيد.

أليست الإنجازات الهائلة في مجال تقنية تخزين المعلومات التي تسمح لشريحة، لا يتجاوز قطرها بضعة سنتيمترات ووزنها بضعة جرامات، باستيعاب وتخزين مكتبة كاملة, ستعيد النظرفي مقومات المفاضلة و التراتبية القائمة على أساس الكم و ليس الكيف, و بالتالي ستنتصر للفكر التجديدي المتمرد على النسق القائم أكثر من احترامها لمفهوم الخبرة. لأنه وفقا لآليات عصر المعلوماتية الخبرة دوما متجددة و ليست ثابتة. و بالتالي فإن وظيفة هذا العقل ينبغي أن تختلف عن ذي قبل, حيث أنها ستعمل على استغلال أكبر قدر ممكن من إمكانياته في عمليات التصنيف و المقارنة و التحليل و الاختيار و الاستنباط و ليس استهلاكها في عمليات الحفظ و التلقين. و هو الأمر الذي ينبغي أن تقوم عليه فلسفة العملية التعليمية في عصر المعلوماتية.

و نتيجة عدم تطلب العملية المعرفية لمهارات تخزين كم كبير من المعلومات و إنما استثمار الجزء الأكبر من قدرات العقل البشري في عمليات تحليل و إعادة خلق المعلومة المخزنة سيتيح هذا إمكانية العودة لمرحلة المعرفة الموسوعية المتجاوزة لمفهوم التخصص بمعناه الضيق.

إن مفهوم الشبكية المعرفية لن يسمح لأي فرد من المشكلين لها بالانعزال و التقوقع داخل بوتقة التخصص المحدود, و إنما سيلقي به إلى قلب التيار المعرفي ذي المنابع المتعددة.

و بالتالي سيظهر مفهوم جديد للمثقف و رجل الدين و رجل السياسة....
يحدد الدكتور نبيل علي مفهوم المثقف في عصر المعلوماتية بقوله: " مثقف عصر المعلومات يسمونه التكنومثقف و يعني الرجل الذي يستطيع أن يربط بين الثقافة و التكنولوجيا حاليا, فلا يوجد مثقف أوربي حاليا لا يعي أهمية تكنولوجيا المعلومات و أثرها على التغيرات الاجتماعية" 5
و كذلك ينبغي أن تختلف صورة و خطاب رجل الدين التقليدي حيث أنه ينبغي أن يكون متعدد الروافد المعرفية سواء الفلسفية أو الاجتماعية أو السياسية و ربما العلمية و الرياضية و لابد أن يضاف إلى تكوينه المعرفي الثقافة المعلوماتية.

إن كل ما تم طرحه في النقاط السابقة هو محاولة لفهم طبيعة العقلية المعرفية المعلوماتية المعاصرة من خلال رصد للواقع الحالي و كذلك استشراف لآفاق مستقبلها عبر الأسئلة المطروحة للنقاش. و هذا قطعا سيكون له أكبر الأثر عند التطرق لموضوع (الحوار بين الأديان في عصر المعلوماتية).

الحوار في عصر المعلوماتية
أصبح من المعتاد و المتوقع خلال كافة اللقاءات التي تناقش قضية التعايش بين الأديان و الثقافات طرح عدد من الأسئلة حول: إمكانيات تحقيق الحوار, و الجدوى منه, و المعوقات التي تهدده و المحفزات الداعية إليه, و غيرها من الأسئلة التي أرى أنه ينبغي أن نستثني منها السؤال الأول المرتبط بإمكانية تحقيق الحوار لأنه متحقق بالفعل, لا أقول منذ البداية و لكن منذ قبل البداية, حيث إن فكرة الوجود الإنساني ذاتها خلقت حوارا بين المولى _عز و جل _ و ملائكته: " و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك. قال إني أعلم ما لا تعلمون. و علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الخبير. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون"

ثم يتلوه حوار آخر بين المولى _ سبحانه و تعالى _ و إبليس حول السجود لآدم. و تستمر الحوارات منذ استقرار الإنسان على الأرض دون انقطاع. ليكون الحوار منهجا متبعا من كافة الأنبياء لإيصال رسالة الله لخلقه و مواجهة دعاوى الكفر و الإشراك. ويظل الحوار قائما و سيظل إلى أن برث الله الأرض و من عليها.
هذا عن الحوار في أعلى مراحله حول قضية الإيمان بالله, أما عن الحوار حول أمور الحياة اليومية فهو فعل يومي نمارسه باضطراد. و لاسيما في عصر المعلوماتية و الفضاء الكوني المعرفي المفتوح و المشترك و المترابط بعلاقات شبكية متواصلة.

إن العقلية المعلوماتية المعاصرة التي حاولنا رصد ملامحها في النقطة السابقة لا ترى في الحوار أمرا إيجابيا فحسب و إنما تراه أمرا حيويا لا يستقيم وجودها بدونه لأنه أحد أهم عناصر هويتها, حيث أن وجودها المرتكز على فكرة الغزارة المعرفية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تعدد روافد الإمداد المعرفي و كذلك تشابك هذه الروافد من خلال حوار دائم و متصل.
ولكن الحوار دوما ما كان يحمل في طياته الرغبة الدافعة للشروع فيه و هي إما تحقيق التعايش السلمي مع الآخر و التعرف الإيجابي عليه أو المنطلقة من شعور بالرغبة في إثبات الذات عبر هدم الآخر و التسفيه من السبيل الذي ينتهجه للوصل للهدف المشترك. و بالتالي تكون دعواهم ملؤها الكراهية و التحريض ضد اي فكر مخالف.
والأمر المثير للانتباه والاستغراب، بل والنفور كذلك هو أن بعض مروجي هذه الموجة من الكراهية بين الثقافات من خلال أحكام انطباعية سلبية تجاه الحضارة الأخرى بنزع كافة سمات الأخلاقية عنها والهبوط بها لأدنى درجات الإنسانية لا يزالون يمارسون نفس الدور الإفسادي لصالح أجندات سياسية ويتخذون من موضوع الخلاف الديني ورقة في لعبة سياسية رخيصة، ولم يلتفتوا إلى ما تسببت فيه هذه الدعوات التحريضية في الماضي من إراقة لدماء الأبرياء وإشاعة للخراب والدمار، وها نحن نرى كل يوم الدعوات المؤكدة على أنه لا أمل في التعايش بين الحضارات في ظل الاختلاف وأن الصراع قدر محتوم.

إن بعض المستشرقين المعاصرين لا يزالون يعتبرون أن التحذير من الخطر الإسلامي القادم والقضاء على هذه الثقافة الداعمة للإرهاب, من وجهة نظرهم, هو الضمانة التي ستحفظ للعالم أمنه واستقراره مستخدمين في ذلك خطاباً محرضاً على الكراهية ومتجاوزاً في حق كافة المقدسات والرموز الإسلامية.

الأمر الذي أنتج ما يسمى في عالم اليوم بظاهرة الإسلاموفوبيا التي انتشرت بشكل منذر بالخطر في عدد من المجتمعات الغربية , وولدت مفاهيم في معظمها مغلوطة حول هذه الثقافة و المنتمين إليها في عقلية المواطن الغربي الذي اتخذ من هذه الصفوة وسيطا يرى من خلاله هذه البقاع البعيدة عنه.

و كذلك نما داخل الطرف الأخر شعور بالرفض و الحقد على العالم الغربي المتجبر و الطامع في مقدراته و ثرواته. و زاد من هذه المشاعر العدائية الشعور بالانحياز الغربي الجلي للمشروع الاسرائيلي الاستعماري في منطقة الشرق الأوسط.

الأمر الذي رسخ في العقلية العربية المعاصرة شعورا سلبيا حيال فكرة الحوار مع الغرب.

إن هذا الشعور المتنامي بالهوة بين العالمين يستند إلى مصدرين رئيسيين لتأجيجه, و نفس المصدرين يمكن أن يكونا القاطرة التي تمضي بالحوار إلى آفاق أكثر رحابة, ألا و هما التعليم و الإعلام.

إن التعليم لا يزال أحد أهم المصادر المشكلة للخطوط الأولى في الشخصية الإنسانية. حيث يمكن أن تساهم المناهج التعليمية و طبيعة الجو التعليمي المحيط بالطالب في تشكيل أولى ملامح الرفض أو القبول بالآخر.

و في هذا الصدد يمكن أن تسهم التكنولوجيا المعلوماتية إسهاما ملموسا, حيث إنه بفضل التعليم الذاتي القائم على عملية الإبحار عبر الشبكة العنكبوتية للمعلومات, و هو الأمر الذي يسمح بتعدد روافد المعرفة و من ثم تعدد وجهات النظر، لن يبقى المتعلم أسير خطاب أحادي الاتجاه محمل بأيديولوجيا محددة يراد تلقينه إياها.

إننا أمام نوع جديد من المتعلمين, إنه المتعلم الإيجابي الذي يساهم بنفسه في البحث عن المعلومة و المنهج و يستخدم قدراته العقلية للتصنيف و التحليل و الاختيار بين المعروض أمامه من المادة المعرفية.
إن هذا الأسلوب في التعلم يخلق داخل الفرد النزعة النقدية المتسائلة و يقلل من إمكانية الركون للفكرة ذات البعد الواحد و الحقيقة المطلقة, و سيظل هاجس وجهة النظر الأخرى يقلل من راديكالية الفكرة الجامدة.
إن عصر المعلوماتية يتسم بكافة سمات العقلية الحديثة التي حاولنا رصد بعض سماتها من غزارة الموارد المعرفية و تنوعها و جدلية العلاقة بينها, و كلها عناصر تسهم في توليد و إثراء الرغبة في الحوار و ليس التقوقع داخل حدود الذات.
الإعلام في عصر المعلوماتية ودوره في موضوع العلاقة بالآخر
إن الإعلام بحق يمثل أهم العناصر الفاعلة في تحديد سمات العلاقة مع الآخر لأنه دوماً ما كان يقدم المعلومة مشحونة بوجهة نظر وبموقف يدفع إليه المتلقي دفعاً، ولذلك كانت الآلة الإعلامية أحد أهم أسلحة النظم الديكتاتورية الاستبدادية لشحن الرأي العام وتزييفه وإلهائه لضمان استقرار سلطة غير مستندة إلى شرعية الاختيار الشعبي الحر، ولهذا فيما يتعلق بقضية العلاقة بالآخر فقد ساهمت وسائل الإعلام في تزييف وعي المتلقي وخداعه من خلال تكثيف رسالة زائفة تهدف لشحن مستمر ومحاصرة لكافة وسائل التلقي عند المستقبل.

في الحقيقة تستوي في هذا الآلة الإعلامية الغربية الجبارة مع الآلة الإعلامية العربية المتواضعة مهنياً، لكن المتجبرة على عقل المتلقي العربي، حيث أن كلاهما مارس عملية التزييف لصالح أجندة سياسية حاكمة، وكلاهما استخدم سلاح الابتزاز الفكري والعاطفي لتوجيه المتلقي نحو موقف بعينه.

فالإعلام الغربي استغل حالة القلق الغربي المرتبط بقضية الحفاظ على الهوية العلمانية التي أعتقت هذا المجتمع من سطوة الكنيسة، وبالتالي فإن لديه حساسية خاصة تجاه أي تهديد لإنجازه على مستوى حرية التعبير وحياة الوفرة، ولعل هذا هو الرابط الأساسي الحافظ لعقد هذا المجتمع المتنوع الأعراق والأجناس والطباع واللغات والمذاهب الدينية من الانفراط، وبالتالي فإن سياسة التخويف والإنذار من خطر قادم يستهدف هذا الإنجاز الحضاري هو ما يحفظ لهذا المجتمع تماسكه. ويجب خلق هذا الخطر المهدد إذا لم يكن وجوده طبيعياً، وهكذا كان التهديد الزائف بخطر ثقافة إسلامية عنيفة إرهاباً لا بد منه لحفظ السلام الداخلي لهذا المجتمع.

وكذلك كانت الآلة الإعلامية العربية لديها نفس الهدف التزييفي لوعي المتلقي باستخدام سلاح الابتزاز لشعور مستقر داخل العقل العربي باحترام التقاليد والأعراف والقيم ولاسيما الدينية منها، وبالتالي فقد كثفت الآلة الإعلامية من ابتزازها لهذا الشعور بإلصاقها تهمة المروق عن الأعراف والدين لكل دعوة تجديدية متمردة ورافضة للوضع االقائم، واتهام من وراءها بالتبعية للغرب في ربط يهدف إلى إضفاء صفة القداسة على وضع قائم يخدم غرضاً اسبدادياً للطغمة الحاكمة.
وهكذا كانت الرسالة الإعلامية التقليدية تابعة لموقف سياسي حاكم حتى وإن كان ذلك مؤدياً إلى إشاعة جو من الكراهية والشك حيال الآخر. كما ساهمت الآلة الإعلامية سواء الغربية أو العربية في إثارة حالة من الضبابية حول إمكانية الحوار بين العالمين حيث رسخت الآلة الإعلامية الغربية صورة العنف والتطرف وانتهاك حقوق الضعفاء ولا سيما المرأة وألصقتها بالعالم الإسلامي في ذهن المتلقي لهذه الرسالة المشحونة بالكراهية.

أما الإعلام العربي فقد رسم صورة للحياة المنحلة من كافة القيم الأخلاقية والروحية والفارغة من كل الروابط الإنسانية وعلى رأسها الرابطة الأسرية وألصقها بالحياة الغربية في عقل المتلقي العربي.

ولكن أحد أهم ثمار عصر المعلوماتية هو ظهور ما يسمى بظاهرة الإعلام الجديد أو الإليكتروني، ويمكن أن نسميه إعلام الفرد في مقابل إعلام المؤسسة التقليدي، حيث وفرت تكنولوجيا الاتصال الحديثة إمكانية تأسيس مشروع إعلامي بأقل إمكانيات متاحة من خلال جهاز كمبيوتر وشبكة إنترنت.

لقد أضحى الإنترنت الوسيلة الأساسية لمتابعة الأخبار لقطاع كبير ومتنام من المتلقين، الأمر الذي دعا إلى توسيع نطاق انتشار الصحافة الإليكترونية ولاسيما بعد ظهور عصر المدونين الذي سمح بمساحة شاسعة من حرية التعبير أمام كل صاحب رأي، ثم جاء الفيس بوك والتويتر ليتيح المجال بشكل أوسع أمام نشر الرسالة الإعلامية القائمة على الحرية الفردية في التعبير وليست المنطلقة من أجندة سياسية.
لقد تميزت الرسالة الإعلامية الإليكترونية بعدد من السمات المتناسبة مع الوسيلة الحديثة الناقلة لها، فلم تكن كلها مزايا إيجابية على غرار المساحة الهائلة من الحرية في التعبير وكسر قيد الموقف السياسي الموجه لها، فضلاً عن السرعة والحيوية والتفاعلية والتنوع والشيوع والكونية.

ولكنها تميزت كذلك ببعض السلبيات مثل اللامسئولية وعدم إمكانية إخضاعها لميثاق الشرف الإعلامي، فضلاً عن أن التدفق السريع والغزير للمعلومات قد يربك القارئ ولا يدع له الفرصة الكافية لتأمل الخبر .

ولكن مما لا شك فيه أنها ساهمت إلى حد بعيد في ترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية، وهو الأمر الذي لم يخف على معظم القوى السياسية الاستبدادية، لذلك اتخذت من هذه التكنولوجيا موقفاً سلبياً بل عدائياً، ولكن الأمر الذي لم تدركه هو أن هذه الثورة لا أحد يمكنه أن يوقف مسارها، وأنها مهزومة لا محالة في صراعها ضدها.
 
وبالتالي فقد ساهم هذا الإعلام الجديد في إعادة الأمل في تأسيس حوار مجتمعي بين أبناء الثقافات الغربية والشرقية خارج نطاق الوصاية السياسية المعكرة لصفو هذا التواصل وإدارة حوار حقيقي موضوعي يهدف إلى التعارف وليس إلى التعرف المغرض.

لقد كان لهذا الإعلام الجديد مساهمة ملموسة في إعادة إحياء الوعي الإيجابي الفاعل للمتلقي، بل إنه ساهم في خلق حالة حوارية دائمة من خلال مساحات التعليق التي وفرها أمام المتلقين.

إن الإعلام الجديد خلق قارئاً جديداً وحالة حوارية مختلفة سواء على مستوى الحوار الداخلي أو الخارجي؛ الأمر الذي لا بد أن يكون له أكبر الأثر في تجاوز بعض الأفكار الانطباعيىة التي عملت الصحافة التقليدية على ترسيخها في عقل المتلقي، ومن ثم يمكن أن يساعد ذلك على سد الفجوة الهائلة في التواصل بين الثقافات.

دور مراكز حوار الأديان في عصر المعلوماتية:

وفقا لكل ما تقدم حول التطور السريع و المتلاحق في وسائل التواصل الإلكتروني و ما ترتب عليه من تطور مماثل في طبيعة العقلية المعاصرة المتعاملة مع هذه التقنيات الحديثة, و ما اتسمت به من ملامح تصب كلها في بوتقة التفاعل المستمر مع الآخر, زاد ذلك كله من المسئولية الملقاة على عاتق كافة المؤسسات المهتمة بموضوع الحوار بين الثقافات عموما و الأديان على وجه الخصوص, حيث أصبح لزاما عليها مواكبة هذه الثورة التكنولوجية, لأن أي تخلف عن هذا الركب سيفقدها إمكانية لعب دور إيجابي أو تأثير محتمل في هذا الصدد.
كذلك ينبغي عليها القيام بمراجعة كاملة لكافة مقومات وجودها و لطبيعة الدور الذي تسعى للاضطلاع به و الهدف الذي تصبو إليه, و أفضل السبل لتحقيقه.

إنها لابد أن تطرح السؤال ثلاثي الأبعاد حول الماهية و الهدف و الأداة.

مراكز الحوار : الماهية و الهدف و الأداة
إن ماهية هذه المراكز المضطلعة بمهمة الحوار بين الثقافات و الأديان لابد و أن ترتبط بتصورها للدور الذي يجب أن تلعبه في هذا المجال. فدور مراكز الحوار لم يعد خلق الحوار أو تأسيس البيئة الحاضنة له و إنما دورها يجب أن ينصب على تحسين مساره المؤسس سلفا, و توفير الشروط اللازمة من أجل استثمار إيجابي لهذا الحوار القائم.
و بالتالي فإن هذه المراكز ينبغي أن ينصب دورها على تنمية الحوار و ليس تأسيسه و خلقه, حيث أنها ستعنى بكل متطلبات هذا الحوار ليكون أكثر إيجابية و كذلك تعمل على التصدي لكافة المعوقات التي قد تنحرف به نحو هدف غير تحقيق التعايش السلمي. و هو الأمر الذي يتطلب تضافر جهود كافة المؤسسات الثقافية و الإعلامية و الدينية ثم السياسية.

ومما لا شك فيه أن قيام تنسيق بين مراكز إدارة الحوار في مناطق مختلفة يمكن أن يكون عائده أفضل من أن يقوم به مركز واحد إنطلاقا من وجهة نظر واحدة. حيث أن التواصل و تبادل الخبرات و تنسيق الجهود هي أمور لابد منها لمواجهة الوجه السلبي لتكنولوجيا الاتصالات في عصر المعلوماتية, لأنه كما أن هذه الوسائل تسهم في مد جسور التلاقي و التعارف بين أبناء الثقافات المختلفة, فإن دعاة الفرقة و الصراع يجدون فيها ضالتهم لبث سموم دعاوى العنصرية و التمييز و إثارة النعرات الطائفية و المذهبية التي يمكن ان تعصف بأي جهد حقيقي من أجل تأسيس حالة تعايش سلمي إيجابي بين أتباع الأديان المختلفة. و لعل عددا كبيرا من الصراعات المذهبية و الطائفية التي وقودها الأبرياء يكون مفجرها الأساسي دعوة عبر شبكة الإنترنت,
فأهم ما يميز وسائل التواصل التكنولوجي الحديثة هو قدرتها الهائلة على الحشد والشحن الجماهيري، ولكنها وسيلة موضوعية توفر خدمة الحشد لمستخدميها مهما كان هدفهم من هذا الشحن سواء أكان من أجل السلم والتعايش في ظل الاختلاف المثري لهذه الفسيفساء الثقافية، أو كان غرضهم إذكاء لهيب الفتنة التي لا تبقي ولا تذر. لذا ينبغي أن يكون الدفع والتشجيع نحو الاستخدام الأمثل لهذه الوسيلة مهمة ملقاة على عاتق كافة المراكز المهتمة بموضوع الحوار من أجل التعايش بين الثقافات والأديان في كافة أنحاء العالم حتى لا يبدو ذلك جهداً جزئياً مبتوراً، وبالتالي تكون ثمرته غير مكتملة النضج.

ونظراً لأهمية هذا الدور وما يمكن أن ينتج عنه من حماية للمجتمع الإنساني من السقوط في هوة التمزق والصراع وما ينتج عنه من عمليات قتل للأبرياء و تبديد للطاقات والثروات وغلق لآفاق المستقبل في وجه الأجيال القادمة فإنه يتعين على الحكومات أن تقوم بدعم هذه المراكز بكافة وسائل الدعم وأن تعهد إليها بهذه المهمة التي أثبتت التجربة أن منظمات المجتمع المدني ذات الخلفية الثقافية الاجتماعية هي أقدر على الاضطلاع به أكثر من الساسة الذين يتعاملون معها كورقة سياسية ليس أكثر.

الهدف و الوسيلة من مراكز إدارة الحوار
لا ريب أن الحوار لا يمكن أن يكون هدفاً في ذاته، وإنما هو وسيلة نحو تحقيق السلم الاجتماعي سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ولكي يتحقق هذا السلم لا بد من الوقوف على القواسم المشتركة التي تجمع بين كافة أبناء البشرية مهما اختلفت مشاربهم، لكن تبقى الطبيعة البشرية في جذورها البعيدة رابطاً بين كافة أبنائها.
أما جوانب الاختلاف فلا بد من النظر إليها كعنصر إثراء للذات التي لا يمكن أن تحقق وعياً بجوهرها إلا من خلال الآخر.، وبالتالي فإنه يتعين على مراكز الحوار أن تعنى بتحقيق الحوار الداخلي على مستوى الذات داخل المجتمع الواحد قبل الشروع في تأسيس الحوار مع الآخر.
إن مجتمعا متناحرا من داخله لا يمكنه أن يؤسس لسلام حقيقي مع طرف آخر. إن اكتشاف الذات هو أحد المهام الرئيسية التي ينبغي أن تأخذها مراكز الحوار بعين الاعتبار.

كما أن مراكز الحوار لا بد أن تهتم بتأسيس الحوار على مستوى القاعدة الأساسية المشكلة لبنية المجتمع وألا يقتصر اهتمامها على النخبة من رجال الدين والسياسة. لا بد من إدراك الدور الفاعل للشباب في واقعنا اليوم حيث إن الأحداث السياسية الراهنة التي هزت المنطقة العربية، بل وامتدت آثارها ولا تزال إلى مناطق أخرى من العالم لم تدع مجالاً للشك في أن تهميش الشباب والتسفيه من آرائهم ودورهم لم يعد أمراً مقبولاً ولا مستساغاً، لاسيما بعد أن تمكنوا من تقنية وسائل الاتصال الحديثة والقدرة على الحشد الجماهيري، وبالتالي ينبغي توظيف طاقاتهم في هذا الصدد من أجل ترسيخ قيمة الحوار ونبذ كافة أشكال العنف.

و لذا يبدو أمرا جديرا بالاهتمام أن يدرس القائمون على تنظيم هذا المؤتمر أن يكون هناك لقاء يضم شبابا من أديان و ثقافات مختلفة. و لا شك أن القواسم المشتركة بينهم لربما تكون أعمق مما هي عليه بين الأجيال السابقة في ظل امتلاكهم لنفس لغة التخاطب العصري الإلكتروني.

و كذلك لابد من تبني مبادرات حقيقية و أفكار غير تقليدية من أجل نشر قيم التسامح و التعايش السلمي في ظل الاختلاف مستثمرة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة للترويج لمثل هذه المشروعات على أوسع نطاق ممكن.
إن على مراكز الحوار أن توظف وسائل التكنولوجيا الحديثة في تأسيس وجود حقيقي لها بين أوساط كافة فئات المجتمع و لا تكتفي بمجرد التواصل مع النخبة.

المراجع.
1. "أنظر: مقال "التطورات العالمية في تك نولوجيا الاتصال الحديثة و أثرها على المشهد الإعلامي المصري". موقع الإعلام التربوي
2. مقال: "عدد مستخدمي الإنترنت يتجاوز المليار"
3. " د. إبراهيم علوش : ثورة الإنترنت في الوطن العربي- الصوت
العربي الحر – مقالات"
4. " جريدة الرياض: عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي" 2 يوليو 2009
5 . أنظر: قناة الجزيرة. (برنامج بلا حدود 28/3/2001)
6. القرآن الكريم. سورة البقرة , آية 30-33
7. أنظر: قناة الجزيرة (برنامج الشريعة والحياة: 8/9/2002).
8. Irés Elesperu; (los medios de comunicación y la islamufobía) Diálogos de civilización: El Islam y occidente.
Seminario internacional complutense. Publicaciones del Instituto egipcio de estudios islámicos en Madrid. 2007
9. انظر قناة الجزيرة. برنامج: العلاقة بين الأمريكان و العرب . 20/1/2002
10 انظر. مقال: اعترافات الكتور عمارة حول حوار الأديان. منتديات كلمة سواء.
11. Libertad de información y diálogo de civilización
El Papel de los medios de comunicación en el diálogo de la civilizacón.
La política informativa en el mundo árabe.
Los medios de comunicación y la islamufobía Diálogos de civilización: El Islam y occidente.
Seminario internacional complutense. Publicaciones del Instituto egipcio de estudios islámicos en Madrid. 2007

12. أنظر : التطورات العالمية في تكنولوجيا الاتصال الحديثة و أثرها على المشهد الإعلامي المصري.
13. المصدر السابق
14. أنظر: قناة الجزيرة: برنامج بلا حدود: موقع العرب و مكانتهم في عصر ثقافة المعلومات.

   
يفتتح مؤتمر الدوحة التاسع لحوار الأديان أعماله الاثنين 24 أكتوبر في فندق الشيراتون في الدوحة، قطر، باشتراك أكثر من مئتي شخصية دينية و أكاديمية من خمسة و خمسين بلداً.
يتطرق المؤتمر هذه السنة إلى موضوع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الحوار بين الأديان، عبر جلسات وورش عمل تمتد لثلاث أيام متواصلة.
يعقد مؤتمر الدوحة التاسع لحوار الأديان بإشراف مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان و اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات
.
تنبيهات بريدية  
للحصول على آخر الأخبار والتحديثات من فضلك أدخل عنوان بريدك الإلكتروني