الصفحة الرئيسية  |  البرنامج   |   المشاركين  |  الأخبار |   الكلمات   |   ألبوم الصور   |  الفيديو   |  في الصحافة   |   مواقع مهمة   |  اتصل بنا
   

شباب التغيير ودوره في الحوار الحضاري
د. بهيج ملا حويش / مدريد اسبانيا
E.mail drmulla47@yahoo.es

موضوعي يتناول رسم معالم الحركة الشبابية الناجمة عن التواصل عبر شبكات التخاطب الإلكتروني , ثم مسار مجتمعاتنا نحو التغيير الحتمي وانعكاسات هذا التغيير على التركيبة الاجتماعية على المستوى العالمي , وأخيرا كيف يمكن لنا أن نسهم في تغيير التغيير , كل ذلك ضمن مساق الحوار الحضاري :الديني والثقافي , ليس بمعزل عن استخدام وسائط الاتصال الحديثة , بل عبرها وعبر جيل يحسن استخدامها وسيلة وهدفا .
نحن في عصر تسارع مستمر , ونعيش جيل السرعة , جيل يأكل بسرعة , وجباته سريعة لا يهمه تركيبها ولا قيمتها الغذائية ولا الأضرار التي قد تنجم عن تناولها على المدى البعيد. جيل يفكر بسرعة ويتفاعل بسرعة وقد يُسيًر بسرعة ولكنه ليس غبيا وإن كانت جذوره الثقافية غضة ممتدة في التربة قريبا من سطح الأرض .
شبابنا لم يعد ملتصقا بمثله الأعلى المنزلي ولا بمثله الأعلى المدرسي إذ لم يعد يرى العالم من خلال أبويه ولا من خلال أساتذته فقط , كما أن جماعة الفريق المحلي لم تعد تلعب دورا حاسما في سلوك الفرد إذ هو ولج مجتمعا افتراضيا اختاره حسب ميوله ورغباته عبر إليه متجاوزا المحيطات والحدود والعوائق من خلال أجهزة التواصل وشبكاتها المختلفة ليعبر عن آرائه ورغباته ويعرف ويتعرف ثم يتفاعل مع أقرانه بعيدا عن مقص الرقيب وعيون سلطة المجال الذي يتحرك فيه . إن هذا التحول في حياة الفرد الذي أحدثته تكنولوجيا التواصل عن بعد يجعلنا نعترف بأن جيل الشباب اليوم أصبح متميزا بالأمور التالية :

--- جيل تخطى حدود الضبط الاجتماعي .
--- جيل حقق حضورا اجتماعيا لافتا ومؤثرا.
--- إنه جيل التحاور والتفاهم على المستوى العالمي

صحيح أن وسائل الاتصال الحديثة ليست روح العالم ونفسه الخلاقة ومدبرة أمره ,,DEMIURGE التي أدخلها أفلاطون في فلسفته وآمن بها الغنوصيون GNOSTICSمن بعده ولكنها قوة مبدعة تسعى إلى تنظيم مسيرة الحياة وفق وسائط الاتصال الحديثة , فهي قد نقلت فعلا الفرد من عضو في مجتمع محلي ماثل إلى مجتمع عالمي افتراضي ومن العيش في دائرة الأصدقاء المختارين إلى فضاء المعارف من الأشخاص الذين يجهل عنهم الكثير ولكنه, ورغم ذلك , يحاورهم في الشؤون الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها بجدلية تقبل العرض والتصحيح والتبني للأفكار والتعاون في صياغة مشروع فكري تتبناه الأطراف المتوافقة وتعمل على تطبيقه , كل في محيطه , وهذا بالذات ما وقع في عدد من الدول في الأشهر الأخيرة وهو أيضا ما يجب علينا الاعتماد عليه في عملية التقارب الحضاري بين أتباع الديانات المختلفة تجنبا لما قد يحدث لجيل شبابنا من جنوح نحو التعصب والتطرف والانغلاق الفكري أو الأديولوجي بدل الانفتاح على عالمية التعايش عبر الحوار مع الصديق المختلِف THE ALTER لا مع الآخر الخصم ALIEN THE لأن الأول يعني حوار ( لأكمل نفسي وأوسع مداركي ) أما الثاني فهو حوار من أجل ( اتقاء شر الخصم وحذفه من خارطة الوجود الفعلي) وتجنبا لتنائي الشباب في بحر المجتمع الافتراضي بجعله متفاعلا مع مجتمعه القريب الحقيقي كما مع مجتمعه الذي لا تحده حدود اللغة والدين والثقافة .

من جانب آخر , فإن شبابنا اليوم يعيش في ظل عالمية الثقافة وشيوع التكنولوجيا ومجتمع المعرفة المتميز بكونه مجتمع الذكاء لا مجتمع الرهبة . هو شباب ناقد لما حوله , يقرأ ما يدور في الآفاق بعيون وزوايا مختلفة عما ألفه الناس من حوله , لا يحجم عن رفض ما لا يقتنع به رغم أنه لا يوصم بكونه جيل الرفض أو أن حركته حركة تمردية INSURRECTIONAL MOVEMENTعابرة ذلك أنه - في معظمه - شباب متعلم عاش حياته الجامعية عل أمل أن يحيى حياة كريمة فإذا به يستيقظ من أحلامه الوردية ليجد أن مستقبله رهينة في أيدي سلطة ظالمة أو في أيدي نظام مفصل على مقياس المنتفعين منه . شباب كان يظن أن التعليم الجامعي ومتابعة التكنولوجيا ضمان لمستقبله وإذا به يستيقظ على انعدام تكافؤ الفرص أو صعوبة إيجاد عمل متفق مع إمكاناته وأنه مسلوب الكرامة والحرية بل ومن معظم حقوق المواطنة فلم يبق له إلا إعادة النظر في الأسس التي بنيت عليها أعمدة مجتمعه وفي الهيكلية التي تدير الأزمة التي يعاني منها. صحيح أن مجموعة أفكاره ومفاهيمه ليست متطابقة على المستوى العالمي وليس له موقف فكري موحد إلا أن توجهاته -- بخطوطها العامة -- تسير نحو هدف مشترك يتمثل في إعادة صياغة مستقبله وفق قواعد جديدة ونظرة جديدة . شباب نظم نفسه في تنظيمات أفقية متعددة المطالب ولكنها متفقة على تغيير الواقع المعاش.

لقد شهدنا في الشهور الأخيرة نوعين من التحركات الشعبية :
- الأولى : ذات مطالب مدنية , كالتي شهدناها في شمال أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط , تركز على الحريات والحقوق العامة . أي ثورة حريات وثورة ضد الفساد المستشري بفعل تحالف رجال الحكم ورجال المال وضد وحشية قوى الأمن وذئابها الطليقة .
- أما الثانية فهي ذات مطالب اجتماعية , كالتي شهدناها في اسبانيا واليونان , تركز على مجالات العمل ومقتضيات العيش في مجتمع الرفاهية التي كانت محور الدعايات الانتخابية في الديمقراطيات التمثيلية . أي أنها حركة تحسين أوضاع واسترداد مكاسب.

هذا التمييز بين الحركتين المتزامنتين لا يعني أنهما غير متفاعلتين بينهما بل يمكن القول أن الأفكار كانت جامعة لتحركهما وإن كانت مطالبهما مختلفة بسبب توفر الحقوق المدنية في الثانية وانعدامها في الأولى وأن الوسائط الإلكترونية كانت توحد خطابهما , فلا عجب أن نجد المعتصمين في ميدان SOL في مدريد وقد أطلقوا على أنفسهم اسم LOS INDIGNADOS أي المستنكرون أو الساخطون , يرفعون لافتات تمجد شباب " سيدي بو زيد " وشباب " ميدان التحرير " المصرية وهذا مؤشر واضح على عالمية الثقافة وتضامن الحركة الشبابية العالمية , الأمر الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا ونحن نعالج مسألة تحسين معامل الحوار الديني والثقافي بين الشعوب .
الأمر المهم الآخر الواجب الحضور في الذاكرة يتمثل في أن هذه الحركة العالمية هي في حقيقتها ثورة لكونها استطاعت تغيير المؤسسات في بعض الدول , بل وحتى تغيير النظام السياسي فيها وتسعى إلى إحداث تغييرات عميقة في مؤسسات دول أخرى كما هو الحال في الدول الأوربية إذ وضعت صلاحية النظام الانتخابي التمثيلي REPRESENTATIVE DEMOCRACY في موضع الشك مطالبة بنظام ديمقراطي تشاركي PARTICIPATIVE DEMOCRACY يرفض تفرد الحزب الحاكم بالأكثرية المطلقة الذي غالبا ما يحول البرلمان إلى نوع من ديكتاتورية الديمقراطية , كما أنها ترفض أن ينتهي دور الناخب أو عزله عن مجريات التسيير حال الإدلاء بصوته الانتخابي. وبالتالي لا يحق لنا وصف الثورة الشبابية العالمية بأنها حركة تمردية INSURRECTIONAL MOVEMENT أو أنها حركة مضادة للنظام الديمقراطي ANTI SYSTEM M.ولا هي بالطبع حركة فوضوية ANARCHIST لأنها تعرف ما تريد وتبني مطالبها على أسس منطقية وتحليل عقلي واع و مستنير . فهي حركة اجتماعية تنادي بإصلاحات ديمقراطية حقة وتنادي بان تكون السياسة خدمة للشعب لا مهنة يسترزق عن طريقها وأن قوة الحكم بتأثيره لا بسلطته .

الأمر المهم الثالث هو أن هذه الحركة الشبابية العالمية أثبتت عجز السلطة الحاكمة عن التحكم بالمجتمع مهما استخدمت من وسائل سياسية أو عنف أو إجرام وأن قوة الثورة بأفكارها لا بسلطتها.
الأمر الآخر هو أنها ليست حركة اديولوجية ذات عقلية منغلقة على نفسها بل هي حركة عاقلة سلمية التوجه أساسا ولكنها رغم سلميتها ورغم رفضها للمواقف الراديكالية أطاحت بصواب السلطة التي اضطرت إلى استخدام قوى الأمن والجيش للدفاع عن إديولوجية الدولة ومكاسب الطبقة الحاكمة أو الدفاع عن النظام العام , فكانت تجابه منطق القوة بقوة المنطق .

لقد استطاعة الحركة الشبابية الحديثة إبراز بعض السوءات التي غفل عنها المجتمع طويلا إذ هي نقدت موقف الصحافة بشكل عام وأبرزت عدم حياديتها حيال المواقف التي توثر على مصالح المساهمين في مجالس إداراتها أو توجهاتهم السياسية أو الفكرية كما أنها نقدت مسيرة العولمة التي كانت قد فصلت على مقاس مصالح الرأسمالية المتوحشة التي أدت إلى هروب رؤوس المال إلى حيث لا حقوق ضرائبية تدفعها ولا رواتب عمالية ذات بال , تاركة اقتصاد بلادها بلا تمويل للصناعات الخفيفة والمتوسطة ولا مواطن عمل لمواطنيها فانهارت الطبقة المتوسطة وتشردت الطبقة العمالية فحق لها إن تسمي العولمة الشاملة (عولمة الباعة المتجولين) .
. وأخيرا يمكن القول أنها أعابت على المجتمع قبوله بانفصام النظام الأخلاقي عن النظام المهني بل وتعدى ذالك إلى تسلم القيادات العليا رجال قليلو الثقافة مما حول هذه القيادات إلى مؤسسات عديمة الثقافة INSTITUTIONS CULTURED NON لكونها اختيرت لانتمائها الحزبي أو الطبقي لا لأهليتها وكفا ءتها.
إذا علينا أن ندرك أن هذه الحركة هي حركة مستدامة وليست عابرة EPHEMERAL MOVEMENT وأنه وإن المركز السطحي لزلزالها EPICENTER قد تفجر في شمال أفريقيا إلا أن مراكزها الجوفية HYPOCENTERS تغلي في أكثر من منطقة من جغرافيتنا الكروية .

نخلص مما تقدم إلى أن ثورة الشباب الحديثة تتميز بما يلي :
- هي ثورة سلمية لا تؤمن بالعنف سبيلا لنيل الحقوق.
- لا تجيد استخدام الخدع والمراوغات لحماية مصالحها.
- فقدت الثقة بالإعلام في نقل حقائق المجتمع كما فقدت الثقة بإرادة النظام الحكومي في حل مشاكل المجتمع على أسس الحق والعدل , وبفضل شبكات التواصل لم يعد بمقدور امبراطورية الإعلام تقرير مصير الحكومات ولا صناعة الزعماء .
- لا تنقصها المعلومات الصحيحة ولا التحليل العقلي ولا الرؤية الجلية عن مسيرة الحياة وآفاقها المنظورة .
- علتها تكمن في قلة خبرتها وقابليتها للانجراف VULNIRABILITY مع تيارات الضغط الداخلية أو الخارجية كما حدث في اليمن وليبيا على التوالي.

. التغيير المطلوب ونتائجه

أين يكمن الخطر ؟ وأين يكمن الحل؟

التغيير الذي نعيشه اليوم أبرز وجود أزمة وجدانية وأزمة معرفية فالأولى سببها عدم إمكانية حل مشاكل المستقبل على أساس تجارب الماضي أما الثانية فسببها عدم قدرة المعرفة المتراكمة على شرح وفهم الأوضاع المتغيرة بتسارع يفوق عملية التحليل العقلي, وهذا يعني أننا بحاجة إلى تطوير معارفنا وتجديد وسائلنا وخطابنا , شكلا وموضوعا , فإن لم نفعل سنبقى في العربات الأخيرة لقطار المتغيرات المتسارعة . فنحن غير قادرين بما لدينا من معرفة متحصلة على شرح التغيرات الجارية وتعليلها كما أن ما لدينا من خبرة الماضي ليست صالحة بالضرورة ولا متوافقة مع تطلعات المستقبل. إذا ,علينا أن نعزز إرادتنا ونجدد معرفتنا وألا ننزع إلى تشكيل أرستقراطية ARISTOCRACY حوار, أي إلى نوع من سلطة عليا تستحوذ على إدارة الحوار الديني أو الثقافي.
لعل السمة الأبرز لمجتمعنا هو تعدده الثقافي MULTICULTURALITY ونزوعه إلى اكتساب سمات ثقافية متبادلة INTERCULTURALIZATION ولكن هذا التنوع سيكون تنوعا منظما ORGANIZED DIVERSITY وهذا أمر يسهل الحوار لكونه يسير عبر قنوات تفضي إلى التعاطي مع فكر جماعي قابل لتبني أفكار الحوار ونقلها إلى محيطه وإلى مجاله الحيوي بلغته وآلياته.
لاشك أن فكر الأزمة الذي تمر به مجتمعاتنا سيعاني من حالة تفاقم إن لم يسعفه منطق العقل وبساط الحوار التفاهمي لأن أخشى ما نخشاه هو إصرار السلطة على سلوك الحل الأمني لمعالجة مشاكل المقهورين , الأمر الذي سيقابل عاجلا أو آجلا بعنف مضاد باسم الكرامة الإنسانية . صحيح أن النزاع ليس حتميا وأن إحقاق الحق لا يكون بإعادة عجلة التاريخ إلى الرقم السالب بل ببناء مستقبل يتخطى مآسي الأيام الخوالي وإعطاء كل فرد دورا لا مرتبة يتمتع بها , ولكن يقلقنا رؤية طاقة الحوار آخذة بالنفاذ , ولهذا نحن بحاجة إلى قوة دفع متجدد تدفع الحوار عبر مسارات جديدة وعناصر بشرية تجيب على أسئلة الأمس المتكررة بلغة اليوم المتجددة . وهذا يؤكد ضرورة إشراك شباب المعرفة والتكنولوجيا في العملية الحوارية التي نعمل لها , فإن لم نفعل فلا غرابة أن نجد أنفسنا نتحدث يوما بنوع من الخطاب الانكفائي التوحدي AUTIST SPEECH . فنحن - كما أسلفنا - نتعامل مع شباب أحدثوا ثورة في عالم الفكر والثقافة والسياسة والاجتماع ومن المعروف أن قوة الثورة تكمن في أفكارها وسلميتها وحواريتها وخطابها وعالميتها, وهذه كلها متوفرة بقدر ما في جيل الثورة وعلينا أن نحول هذه الفضائل إلى موارد فياضة تنهل منها شبيبة اليوم توجهاتها المستقبلية .

إننا نخطئ كل الخطأ إن نحن سعينا إلى إقحام فكرة دينية التثاقف INTERCULTURAL THEOLOGY بدل تثاقف الأديان INTERTHEOLOGICAL CULTURE لأن ذلك سيؤثر عل مصداقية حوارنا وهو عاجلا أو آجلا سينقلب سلبا على فاعليه. كما أنه من الخطأ أيضا محاولة إيجاد دين تلفيقي SYNCRETISTIC FAITH من خلال الحوار الديني لأن لكل دين هوية ذاتية IDENTITY تميزه عن الآخر . بل الأخطر من هذا وذاك ما نلحظه اليوم من توجه إلى إحياء القومية الدينية مع ما يحمل ذلك من محاولات إسباغ العبقرية وتسويغ استخدام القوة بأي شكل من أشكالها لحماية الهوية الذاتية ثم القبول بعد ذلك بالحوار من منطق القوة.

لاشك أننا نعيش أوضاعا صعبة وعلينا أن نعترف بأننا نعيش حالة أزمة بسبب رفض بعض الأنظمة المسيطرة ESTABLISHMENT لتطور الأوضاع لكونها تحد من صلاحية ما يزمعون تنفيذه , بل وربما سعت هذه الأنظمة إلى عزل هؤلاء الشباب عن المجتمع لأنهم شقوا عصا الطاعة أو على الأقل لأنهم لا يرتاحون لمواقفهم وحينئذ يضطر البعض منهم إلى إلغاء فكره PASIVE PERSONALITY تجنبا لغضب الحكم أو أنه يتمسك بها فيقع في أحد المحذورين : تبني اديولوجيا سابقة أو اديولوجيا مستحدثة تعبر عن موقف فكري يفتقر إلى المعلومات الصحيحة وإلى التحليل المنطقي والرؤية الجلية عن العالم الحقيقي معتمدين على مجموعة من الأفكار والمفاهيم المجتزأة سعيا منهم إلى تصميم شامل للمجتمع مفصلا على مقاس أفكارهم انطلاقا من إيمانهم بصلاحيتها وقدرتها على بناء مستقبل أفضل ونظام جديد ومجددٍ . ففي الحالة الأولى تضيع السمات الفكرية لهؤلاء الشباب DIFFUSE PERSONALITY أو يتحولون إلى مجموعات سلبية NEGATIVE IDENTITY الشخصية تجيد الرفض ولا تسهم في البناء , وهذا بالذات ما حصل لجيل ما قبل الانتفاضات الأخيرة , وفي الحالة الثانية قد يدفع الشباب إلى اتخاذ مواقف تخريبية DESTRUCTIVE ATTITUDE تؤمن بالعنف الثوري وقد تتخذ طريقها إلى الإرهاب الموجه لمن تعتبرهم أصل البلاء كما حدث لجماعات التكفير . من الملاحظ هنا أننا نورد أمثلة من محيطنا العربي إلا أن ما يحدث من حولنا قد يكون أشنع من ذلك بكثير ولا أجد حاجة لإعطاء أمثلة عما جرى ويجري في إيرلندا وأجزاء من أفريقيا والبوسنة وغيرها.

الخطر الحقيقي يكمن في دفع هؤلاء الشباب إلى القناعة بعدم جدوى العمل السلمي السياسي وهنا نقع في حالة من الفوضى الاجتماعية SOCIAL DISORGANIZATION وقد يتطور الأمر إلى تفسخ المجتمع ذاته S . DISINTIGRATI0N .

ثم إن تكنولوجيا الحرب في المستقيل لن تكون تحت سيطرة الحكومات والمنظمات الدولية بل في أيدي شركات أهلية متعددة تبيعها لمن يدفع أكثر ولن تتوانى في ذلك تعويضا عن استثماراتها وأبحاثها تماما كما شهدنا منذ عهد قريب نشوء شركات ذات طابع عسكري مكون من خيرة جنود وضباط دول متعددة مستعدة لشن حروب وتدخلات تؤثر على مصائر الأنظمة والشعوب أمثال BLACKWATERS وهذه ستبحث عن بؤر أزمات تبرر تدخلها لصالح طرف أو آخر دونما رادع أخلاقي على نمط قراصنة القرون الماضية COURSERS THE لمطاردة أساطيل الدول الأخرى كما كان يحدث بين اسبانيا وإنكلترا بل هناك من الدول من سيستخدمهم لمحاربة دول أخرى بالوكالة . وعلى هذا نقول أن امتلاك تكنولوجيا الحرب لن يمنح السيطرة لأحد وعلى مجتمعات المستقبل السعي لامتلاك تكنولوجيا السلام .

ما العمل ؟

أمام هذه المتغيرات أعتقد أننا بحاجة إلى التوقف في محطة ترو لإعادة حساباتنا بقصد الوصول إلى الهدف المنشود لا الاكتفاء بالوصول إلى أقرب هدف , وهذا بدوره يحتاج إلى التزود بطاقة متجددة RENEWABLE ENERGY لنا ولجيل التغيير قوامها حزمة من القيم والمثل المشتركة تقوًم السلوك وتوجه النشاط ذلك أن شيوع الثقافة العالمية سمة مميزة للإنسان المتحضر حيثما حل وسكن . ولكي نسهم في هذا الجهد علينا أن نعتمد استراتيجية أو طريقة تفكير تسعى إلى توظيف الإمكانات وتنسيقها بقصد الوصول إلى الهدف المنشود , ولكي يتم ذلك يجدر بنا اتخاذ خطوات عملية قوامها الأمور التالية :
-- أن نبحر جميعا في طريق الإيمان بنجاعة عملنا ونبل رسالتنا متأسين بإيمان إبراهيم عليه السلام حينما وجه وجهه لله وسار في دعوته هو ومن ارتضى منهجه , فمنهج إبراهيم عليه السلام ,بالنسبة لنا , هو منهج الأنبياء جميعا , وهو منهج محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يتوان عن إدانة الظلم الاجتماعي إدانته للشرك وطقوسه لأن الدين الذي لا يغير المجتمع نجو الحق والعدل ليس دينا سماويا بل عقيدة بشرية أو إديولوجيا عقائدية .
-- أن لا نتحدث باسم جيل التغيير ولا نيابة عنهم بل نتحدث إليهم ونعمل بالتعاون والتنسيق معهم حتى لا تتولد أزمة تواصل أجيال بيننا وبينهم GENERATIONAL CONFLICT فالحوار بننا وبينهم يهدف أساسا إلى استثمار مخرجات العقل الجمعي وتطوير الذكاء والمهارات الاجتماعية بين مختلف الشعوب وأتباع الديانات وتأهيلها لتفهم مشاعر أقرانهم والعمل بموجب ما يقتضيه هذا التفهم من مدلولات تفكيرهم وتصرفاتهم.
-- تمتين الروابط بيننا وبين جيل التغيير بما يكفي لعبور الأفكار وتلاقحها بين الطرفين والتآزر في الوصول إلى الأهداف المشتركة , وهذا لا يتم إلا بالتعايش الحيوي SYMBIOSIS معهم معتمدين المناقشة المنطقية DIALECTICS السليمة والمهذبة دونما وسم ولا نمطية ولا أفكار سلبية (مسبقة الصنع) PRE FABRIQUÉ وبذلك نسهم في التنمية الاجتماعية المتوازنة والمتكاملة
-- مد ساحة الحوار إلى البعيد عن طريق جيل التغيير الأقدر منا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عن بعد بحيث تصل أفكار الحوار والتعاطف الإنساني إلى الأفراد فيما وراء الأسوار وما خلف الحجب . وبذلك نحقق فكرة التثاقف بين أتباع الديانات والثقافات المتباينة .
-- مد ساحة الحوار إلى المفهوم الحقيقي للحرية والعدل والحق القائمة على المبادئ والمثل العليا لا القائمة على مصالح الأفراد والكارتيلات CARTELS والشركات والدول. وهذا بدوره يقتضي التوافق على استقلالية السياسة عن اقتصاد السوق الذي تهيمن عليه الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسيات بحيث جعلت ممن السوق معبدا صراطه تكديس الثروة بلا وازع ولا حدود .
-- إدخال منهج تربوي للتواصل الحواري - بالتعاون بين مركز الدوحة لحوار الأديان و اليونسكو – إن أمكن ذلك - يدٌرس في المدارس المتوسطة في مختلف دول العالم تعرف بالمعالم الكبرى للأديان وسبل إقامة حوار بناء بين الأجيال المتعاقبة , وقد يتم ذلك بالتعاون مع أهل الإعلام والثقافة والتربية على شكل برنامج يكمل بعضه بعضا.
-- تزويد الشباب بجملة من المفردات والمصطلحات والأفكار NOMENCLATURE لتعميمها وإشاعتها بين أجيال التغيير بسهر على إعدادها مركز دائم مختص متعدد المدارس POLYDISCIPLINARY CENTRE مثل معنى العائلة الإنسانية ومراميها , التفاهم المشترك , التعامل مع المختلف , المسئولية العامة , التعاطف EMPATHY , التأمل وإعادة النظر TO REFLEX , النقد الذاتي SELF CRITICISM.....الخ.ذلك أن المفردات أصبحت اليوم تكتسب وزنا ثقافيا معينا بحكم شبكة الاتصالات ولغتها الخاصة .

إنني لا أبالغ إذا قلت أننا أمام حركة تغيير تحمل رسالة عالمية ولسنا أمام حركة مايو فرنسية كالتي حدثت في 1968. حركة متجذرة وستبقى كذلك , وستمتد تحت التربة لتصل إلى سطح المعمورة كلها , وعلينا أن نستثمر ولادة هذه الحركة لنقوم بنقلة نوعية وكمية أيضا لكسب عناصر جديدة تؤمن بالحوار وتسعى إلى التفاهم .

أرجو أن ننجح في فيما نصبو إلبه ........ والله المستعان
مدريد\ الدوحة 24 - 26 أكتوبر 2011

د. بهيج ملا حويش
drmulla47@yahoo.es

   
يفتتح مؤتمر الدوحة التاسع لحوار الأديان أعماله الاثنين 24 أكتوبر في فندق الشيراتون في الدوحة، قطر، باشتراك أكثر من مئتي شخصية دينية و أكاديمية من خمسة و خمسين بلداً.
يتطرق المؤتمر هذه السنة إلى موضوع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الحوار بين الأديان، عبر جلسات وورش عمل تمتد لثلاث أيام متواصلة.
يعقد مؤتمر الدوحة التاسع لحوار الأديان بإشراف مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان و اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات
.
تنبيهات بريدية  
للحصول على آخر الأخبار والتحديثات من فضلك أدخل عنوان بريدك الإلكتروني